أمام قيادة جبهة القوى الاشتراكية لمواجهة رهان خلافة الزعيم الروحي للحزب، حسين آيت أحمد، خيارات متعددة لكنها في نفس الوقت مفخخة. وقبل الإعلان عنها رسميا، كانت خلافة آيت أحمد سببا رئيسيا في خروج معارضة جديدة لتشكيلة السكرتير الأول علي لعسكري. صحيح أن الرمزية التاريخية والرصيد النضالي لحسين آيت أحمد جعله يسير الأفافاس بيد من حديد، وكان صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في تحديد مواقف الحزب اتجاه مختلف الأحداث التي عاشتها البلاد منذ بداية التعددية، وغالبا ما كانت هذه المواقف غير مسايرة لقواعد الحزب وإطاراته الذين اضطروا للانسحاب تباعا. لكن القيادة الحالية مدركة بأن قواعد الحزب لن تمنح لأي مسؤول قادم نفس الصلاحيات ونفس السلطة المعنوية التي منحتها لآيت أحمد، وهو ما جعل مثلا كريم طابو يفقد عهدته كسكرتير أول عمليا قبل أن تنزع منه رسميا، حين حاول فرض خيار المشاركة في مسيرات السبت التي نظمتها تنسيقية التغيير والديمقراطية بعد أحداث الزيت والسكر. علنيا، أبدى كريم طابو آنذاك معارضة شديدة لتلك المسيرات، وقال عنها إنها تهدف لفرض أشخاص على حساب أشخاص آخرين في السلطة. لكن في كواليس الأفافاس، حسبما علمته ''الخبر''، جاء خطاب طابو آنذاك تطبيقا لموقف المجلس الوطني، وظهر الصراع في هذه المناسبة حين أعلنت التنسيقية عن مشاركة الأفافاس في أول اجتماعاتها قبل أن يخرج كريم طابو وينفي هذه المشاركة. وحينها فهم كريم طابو أنه فقد السيطرة على زمام القرار في حزبه، وفهم أيضا أنه فقد حظوظ خلافة آيت أحمد. وشكلت هذه المحطة بداية انطلاق حركة جديدة داخل قواعد الأفافاس، حيث أبدت العديد من الإطارات السابقة رغبتها في العودة، وأبدت أطراف من خارج الحزب رغبتها في الالتحاق، بالنظر لما يوفره هذا الحزب من إمكانات للبروز في الساحة السياسية الوطنية. فالرجل السياسي في الجزائر مهما كانت كفاءته وحنكته، لا يسمع صوته بنفس الدرجة التي يسمع بها من يتحدث باسم الأفافاس، على حد تعبير مسؤول سابق في أجهزة الدولة ومراقب لتطورات الساحة السياسية.وإن كان انسحاب آيت أحمد غير قابل للتعويض على المستوى الفردي، فالصعوبة الأكبر التي يواجهها الأفافاس اليوم تتمثل في نجاح المؤتمر القادم في احتواء كل التيارات المتجاذبة داخل هياكله. وأضحت عودة إطارات سبق لها أن سيرت الحزب وانشقت عنه، مسألة محسومة، وبقي إيجاد الإطار التنظيمي الأنجع لتجسيد فكرة ''التسيير الجماعي'' التي أوصى بها آيت أحمد في آخر رسالته للمجلس الوطني. فإما أن يتم الاستغناء عن منصب الرئيس أو إنشاء مناصب نواب للرئيس، أو يعاد النظر في توزيع الصلاحيات... ولا يمكن طبعا إبعاد هذا الإطار التنظيمي ولا فكرة التسيير الجماعي عن المحيط العام السائد في الساحة السياسية الوطنية، علما أن هذا المحيط كان دوما في قلب الصراعات الداخلية للأفافاس ولكل الأحزاب في بلادنا. ومن بين المواقف التي تبناها الأفافاس منذ فترة تجاه الأحداث الوطنية، التخلي عن خطاب المعارضة الراديكالية والتحذير من تداعيات التحولات الحاصلة في دول الجوار على الداخل، والمشاركة في المواعيد الانتخابية الأخيرة. هذا الموقف جلب للأفافاس اهتمام العديد من الشركاء في الساحة السياسية للتقرب منه تحسبا لمواعيد انتخابية قادمة، خاصة الرئاسيات. ويضيف هذا الاهتمام ضغوطا إضافية على القيادة التي ستخلف آيت أحمد في المؤتمر القادم وسيكون له دور في اختيارها.