لم تعد الثورة السورية كما بدأت سلمية، يأمها متظاهرون يحملون شعارات وطنية مطالبة بالديمقراطية والكرامة الإنسانية ورحيل النظام، ذلك بعد أن نجح هذا النظام الذي جثم على صدر الشعب السوري لأكثر من ستة عقود، في تحويلها إلى حرب مفتوحة، ومنذ أن افترض أنه يواجه "حرب كونية" تأملها عصابات مسلحة، ولعله استهل تحقيق افتراضه من خلال تجنيد جماعات مسلحة تحمل عبارات مختلفة وتقديمه لها كنموذج لتبرير مواجهته لمطالب الشعب السوري الشرعية، ولجوئه لمنطق القوة المفرطة في مواجهة أي مطالب تتعلق برحيله!. وبعد مضي أكثر من عامين لم يعد خافيا على أحد أن الثورة حادت عن طبيعتها السلمية، تحت العوامل المتعلقة بالنظام أو المخططات الاقليمية والدولية في المنطقة، التي ضمنت مروراً آمناً للمتطوعين من الجهاديين للقتال في سوريا. ظل هذا الأمر يجري في ذات التوقيت الذي كانت تضعف القوى السياسية السورية المعارضة في التصدي له نتيجة إخفاقاتها وخلافاتها، وقلة خبرتها في التأطير والتجنيد الفعلي على الأرض، فضلا عن الشق الذي بدا واضحا بين القيادات السياسية، والقيادات الميدانية للجيش الحر في الميدان، الأمر الذي سمح ببروز تيارات متطرفة كجبهة النصرة وغيرها من التنظيمات ذات الطابع الجهادي. ليأت تدخل حزب الله اللبناني في المعادلة، مقاتلا في صفوف النظام، فيخل من جديد بالتوازنات القائمة في معركة الشعب والنظام، ويعيد تعريفها بشكل يحمل أبعادا جديدة / قديمة. قبل أن يبدو المشهد في أكثر فصوله تعقيداً عندما اجتمع عشرات من "علماء الدين" من العالم الاسلامي في القاهرة، أمس الاول، فيما عرف ب"موقف علماء الأمة من الأزمة السورية"، ليخرجوا علينا بإعلان "وجوب الجهاد في سوريا لكل مقتدر بالنفس والمال"، بالإضافة إلى إدانتهم لموقف "حزب الله" ووصفه بالحزب الطائفي. لم تمر ساعات على هذا الإعلان حتى تزامن موعد الرد الأمريكي الذي ظل متأرجحاً نتيجة غياب توافق دولي حول التعاطي مع الملف السوري، ليؤكد بيان البيت الابيض أن الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية وفرت معلومات كافية تؤكد صحة استخدام النظام السوري لأسلحة كيمياوية، الأمر الذي يستدعي - حسب الرؤية الامريكية - تعاطياً مختلفا، أهم معالمه "تسليح المعارضة السورية بأسلحة غير فتاكة" لم يتم الكشف عن نوعيتها!. وهو التزامن الذي أعاد إلى الأذهان تجربة الأجهزة الاستخباراتية الأمريكية مع الاتجاهات الدينية السلفية، أثناء حرب افغانستان ضد التدخل السوفيتي في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي. وهو تزامن يأتي بعد مرور أكثر من عقدين ونيف من الزمن على "جهاد أفغانستان" ومرور أكثر من عامين على اندلاع الثورة السلمية في سوريا، ما يضع الكثير من علامات الاستفهام. وهي ذات العلامات التي حاول العزف عليها السيد حسن نصر الله، في خطابه أمس الجمعة، محاولا الربط بين المشروع الأمريكي وبين موقف العلماء المسلمين المجتمعين في العاصمة المصرية!. نصر الله الذي بدا تبريرياً في خطابه الأخير لمصوغات تدخله في المعضلة السورية، لم يترك شاردة أو واردة لتأكيد هذا التزامن، فضلا عن عزفه لجهة من يريد تحويل هذه الحرب إلى حرب طائفية مفتوحة، أكد انه آخر المتدخلين على اعتبار أن هناك قوى ودول وأحزاب عربية وإسلامية متورطة في هذا الصراع. وبعيدا عن لغة نصر الله التي لا تخلو من خلفيات طائفية واضحة، فإن الأمر المحزن أن "الحراك السلمي السوري" الذي بدأ في ذات مارس من عام 2011 متأثرا بحراك الربيع العربي، بالفعل قد تم تطويعه من قبل قوى متعددة ومتنافرة الى "حرب ذات بعد طائفي"، دون أن نعرف من المستفيد من هذا الطابع المقيت. في حين من المؤكد أن الخاسر الأكبر من تحويل طبيعة الصراع ليس سوى الشعب السوري الذي حلم يوما ما، ببناء نظام ديمقراطي مدني كسائر شعوب العالم المتقدم، بعيدا عن هذه الاصطفافات المذهبية أوالصراعات الصغيرة / الكبيرة التي لا تعنيه في شيء.