يتوجب من الناحية المنهجية والمعرفية، مراعاة السياق المعرفي والثقافي الذي أنتج فيه مفهوم ما، والتراكمات اللغوية والتاريخية التي عرفها داخل مجاله التداولي، وهذا تجنبا لأي مجازفة تحاول إقحام مفهوم أو حتى منهج ما، ضمن خطابات تنتمي لغير المجال الذي أنتج فيه، مجازفة تتجاوز الوظيفة الإجرائية لذلك المفهوم، الأمر الذي يمس الوحدة النصية والحدود الدلالية التي يرتكز عليها أي خطاب. من هنا نعرض في هذه الورقة مفهوم "اليوتوبيا"/ UTOPIE، التي أصبحت توظف في كثير من القراءات كوصف جاهز يجهز على كل مشروع لم تتحدد ملامحه الواقعية وشروطه التاريخية. «فاليوتوبيا/ UTOPIE" من الناحية اللغوية كما يحددها لالاند في معجمه الفلسفي - تعني: "لا مكان، وما ليس له مكانا، وهو إسم أطلقه "توماس موروس" على البلد الخيالي الذي وصفه في كتابه، حيث يضع فيه شعبا حكيما تماما، قويا وسعيدا، بفضل المؤسسات المثالية التي يستمتع بها.. وتقال أيضا على التنظيم المثالي لمجتمع بشري". نستقرأ من هذا التعريف بأن مفهوم "اليوتوبيا" يقع بين زمنين، زمن مستقبلي يتوجه نحوه هذا المفهوم من أجل رسم ما لم يتحقق بعد، وهذا في قالب قصصي أو روائي، أي من خلال صياغة صورة لغوية عنه، فاليوتوبيا مفهوم ممتزج "بعنصر الاعتقاد، وعنصر الأمل"، من هنا يصبح هذا المفهوم فعالا بالنسبة للقوة الوهمية والقوة الخيالية في إنتاج أعمال نصية غنية بتعدد صور المأمولات، التي تثقل الحقيقة الإنسانية، إنطلاقا من لحظة تاريخية، يشعر فيها هذا الإنسان بأنه سجين داخل أسوار عالية، يشهد عليها تاريخ متأزم ينتمي إليه، ويشكل له إرثا ثقيلا لم يعد يتحمل الإفرازات المأساوية التي أصبح يعيشها، وهنا يتحدد الزمن الثاني الذي يتولد في مفهوم "اليوتوبيا"، وهو زمن ميؤوس، يشعر فيه "اليوتوبي/ UTOPISTE" بضيق الواقع وانسداده، وغموض الأفق. إن "المدينة الفاضلة" أو "الإنسان الكامل والقوي" أو "العدالة الإجتماعية المثالية"، والرغبة في خلود الإنسان أو إيقاف الزمن في مرحلة النضارة والشباب، أو الانتقال في أزمنة وعوالم أخرى ممكنة، كلها مشاريع توباوبية/UTOPIQUE تتموقع بين زمن متأزم، وزمن مستقبلي حالم، عندما يأمل "اليوتوبي"، فيكتب انطلاقا مما يعانيه، فإنه يحقق ويؤسس حلمه من خلال فعل الكتابة، فالكتابة جرح يلتئم داخل اللغة، واليوتوبيا كنص داخل كيان لغوي هي وجود لكائن ولواقع بشكل ما.