منذ أول استحقاق انتخابي جرى في مصر بعد ثورة 25 يناير، والمتمثل في الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي قررتها "لجنة" مشكلة من قبل المجلس العسكري الحاكم حينها، وهي التعديلات التي كانت ترفضها معظم القوى الوطنية، بينما يؤيدها بقوة التيار الديني، خاصة الإخوان والسلفيون. منذ تلك اللحظة اشتهرت هذه العبارة، التي أشهرها الإسلاميون في وجوه خصومهم السياسيين "موتوا بغيظكم"، لأن "التعديلات أقرت شعبيا" وقبل ذلك "موتوا بغيظكم لأن العسكري انحاز للتعديلات عوض الهيئة التأسيسية"، ثم بعدها "موتوا بغيظكم لأن المجلس الحاكم أيضاً أيد مطلب الإسلاميين في الانتخابات أولاً". إذن كان على التيار المدني أن يموت عشرات المرات بغيظه المنقطع النظير. سياسيون ودعاة ونواب برلمان وقياديون حزبيون وإعلاميون من ذات التيار، مارسوا فعل الغيظ هذا بمزيدا من الإيحاءات المفعمة بالمكايدة. وفي كل مرة كان هناك فائض غيظ يمكن تصديره. بعد انتخابات البرلمان، ثم الرئاسة، ثم تشكيل الهيئة التأسيسية، ثم الدستور الجديد الخ.. وفي كل مناسبة من هذه استمعوا إلى ذات العبارة. وأقصى ما نتمناه اليوم أن لا ينبري التيار المدني، ويشهر العبارة في وجه الإسلاميين (الحلفاء السابقين للعسكر في التعديلات، والانتخابات أولاً والتبرير للجرائم.. الخ)! ولأن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فإن "الإخوان" كما يبدو هم في عصر "الابتلاء" الذي حتما سيخرجون منه أكثر"محبة لله" من جهة، وأكثر"إفادة" لأنفسهم من جهة أخرى. ومن يريد التعلم من دروس التاريخ، يمكن أن يعود قليلا للخلف ويعيد المشهد بمزيدا من التمعن، ففي أعقاب سقوط "مبارك" طالبت عدد من القوى المدنية بتشكيل مجلس رئاسي مدني. لكن "المجلس الأعلى للقوات المسلحة" لم يستمع بل راح يعقد صفقاته مع من يدعمه للانفراد بإدارة المرحلة الانتقالية، فكان الإخوان هم الجهة المفضلة للتحالف مع المجلس. ومنذ تلك اللحظة عمل الطرفان كثنائي متناغم. في كل المحطات سواء في التعديلات الدستورية التي ضمن "العسكري" وجود رأسين مهمين من أتباع الاخوان هما رئيس اللجنة القانونية، وأحد أعضائها وهو قيادي بالجماعة. ثم مرحلة الانتخابات البرلمانية التي سبقتها مظاهرات عارمة للقوى السياسية الأخرى التي كانت تطالب بتأجيل الانتخابات بينما الطرفان (الإخوان والعسكر) يسيران معاً، بمنطق "موتوا بغيظكم". لتأتي المرحلة الأكثر خطورة وهي فترة البرلمان، حيث انضم السلفيون أيضاً للإخوان في تحالفهم مع العسكري، بل تعدى الأمر مرحلة التحالف إلى درجة "إيجاد مبررات لأي جرائم تقع في فترة إدارة العسكري للمرحلة الانتقالية. بل وتحميل الضحية مسؤولية موته وسحله، واعتقاله، وتعذيبه. حدث ذلك في أول "برلمان ثورة"!!. وفي كل مناسبة كان "الإخوان" يجدون تبريرات مناسبة للقاتل، حدث ذلك مع ضحايا وزارة الداخلية، ومذابح شارع "محمد محمود" حين أنكر رئيس البرلمان "سعد الكتاتني" أن تكون الشرطة قد أطلقت النار على المتظاهرين، وذلك في جلسة عاصفة دفعت أحد النواب إلى تقديم خراطيش الرصاص التي احتفظ بها في جيبه. بينما يصر الكتاتني أن الداخلية لم تستخدم الرصاص.. ويرفع الجلسة!. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل برر الإخوان وحلفاؤهم في حزب النور والقنوات الدينية و«الدعاة"، عملية سحل فتاة ثورية في ميدان التحرير، بل وبتناغم فريد كرروا ذات أسطوانات فلول الحزب الوطني، من قبيل طرح أسئلة من شاكلة "هي كانت لابسة إيه تحت العباية؟!"، وهمز وغمز وقذف للمحصنة مارسه للأسف نواب الإخوان ومحسوبيهم ودعاتهم دفاعا عن "العسكري" بقيادة المشير طنطاوي، الذي كانت تهتف ضده القوى الثورية حينها ب«يسقط يسقط حكم العسكر"! فيما كان عصام العريان (رئيس حزب الإخوان بالنيابة -حينها) يرى أن هذا الشعار ينتهك كرامة الجيش المصري ويهينه، مؤكدا "عدم جواز ذلك وأن الاخوان لم يكونوا مشاركين في هذه الإهانة أبداً، مستنكراً استمرار مثل تلك الشعارات (حديث مسجل لقناة الحياة المصرية). وحتى بعد رحيل "المجلس السابق" مضى الإخوان في ذات طريقة "موتوا بغيظكم"، وتبرير الجرائم وإباحة القتل إذا تعرض أحدهم لمبنى ما، كالاتحادية أوحتى مقر جماعة الإخوان في المقطم الذي سقط 31 قتيلا على بوابته لأنهم حاولوا اقتحام المبنى، كذلك سقط عدد من الشهداء أمام قصر الاتحادية، حيث اعتبرت تلك مباني سيادية والدفاع عنها يبرر سقوط عدد ممن يستهدفونها قتلى!. وبعد هذا "الفلاش باك" الممل دعونا نعود إلى حيث المشهد القائم، "الإخوان وحلفاؤهم" لدغوا من "العسكري" وهم الآن يرددون "العبارة الحرام" العبارة المهينة لهيبة وكرامة الجيش المصري - حسب التعريف السابق للعريان - "يسقط يسقط حكم العسكر"، فهل على الآخرين أن يردوا عليهم ب "موتوا بغيظكم". لا أعتقد أن ذلك تصرف حكيم، بل عليهم أن يكونوا في موقع اكثر رقياً، وأن لا يستدرجوا إلى ذات التصرفات الإخوانية، التي عانوا منها. الإخوان وحلفاؤهم اليوم يجدون أنفسهم يدينون قتل من قيل إنهم حاولوا اقتحام موقع عسكري (الحرس الجمهوري)، وهنا تحضر مشاهد وزارة الداخلية والاتحادية بل ومقر الإخوان في المقطم، وأولئك الذين سالت دماؤهم وفاضت أرواحهم هناك، في ظل تبرير الإخوان لذلك الفعل.