احتضن المسرح الجهوي كاتب ياسين بتيزي وزو، سهرة أول أمس، العرض العام لمسرحية "آكال ذيذامن" بمعنى "الأرض والدم"، التي اقتبست من رواية الكاتب الروائي مولود فرعون، حيث نقلت الجمهور عبر مشاهدها إلى النصف الأول من القرن الماضي ليطلع على خصوصيات المجتمع القبائلي خلال الحقبة الاستعمارية، خصوصا ما تعلق بالهجرة وحب الأرض والوراثة والشرف والثأر والتضامن. أثبت المخرج المسرحي عمر فطموش، مرة أخرى، أنه شخصية مسرحية محترفة بأتم معنى الكلمة وأنه مبدع حقيقي يتقن الفن الرابع بكل أبعاده، حيث حققت مسرحيته الجديدة "آكال ذيذامن" نجاحا كبيرا لقيت إعجاب الجمهور الكبير الذي توافد بأعداد هائلة إلى المسرح الجهوي كاتب ياسين. وما ميز هذه المسرحية هو تجسيد قصة ومجريات رواية "الأرض والدم" فوق الخشبة بكل وفاء ومصداقية بالاعتماد على النص الحقيقي. وظهرت الاحترافية لدى المخرج في كيفية اختصاره للأحداث وتجسيدها فوق الخشبة في 18 مشاهد دون أن تؤثر على القصة. حيث حملت هذه المسرحية دقة كبيرة في التصوير للأحداث "التراجيدية" والغوص في أعماق المجتمع القبائلي عن طريق الخوض في المشاعر الإنسانية والتطرق إلى النمط الاجتماعي والمعيشي للسكان. وساهم الراوي في التفسير والشرح تارة بقراءة مقاطع من رواية مولود فرعون وتارة أخرى بالغناء. وتطرقت المسرحية التي قدمت في ديكور مميز تنوعه الفضاءات بين غرف المنازل، ساحة القرية، مقبرة، ينابيع المياه، مقام الصالحين، تطرقت إلى بطل المسرحية "أعمر أوقاسي" الذي هجر إلى فرنسا في خلال النصف الأول من القرن الماضي لكسب المال، واشتغل في منجم، وتزامن تواجده هناك مع اغتيال ابن عمه "رابح" من طرف الفرنسيين، وألصقت له الجريمة. المسرحية انطلق بمشهد عودة "أعمر أوقاسي" من فرنسا وما تبعها من النقاشات الدائرة في القرية وكيفية تغذية الإشاعة والترويج لها. وصنعت عودته حدثا كبيرا وسط القرويين رجالا ونساء، وتحول منزله إلى قبلة للسكان. وجاء لرجوع أعمر أوقاسي إلى مسقط رأسه عدة مفاجآت في القرية كعودته رفقة زوجته "ماري"، وهي ابنة ابن عمه رابح المقتول، والسكان كانوا يعتقدون أنها فرنسية، واستغلال أعمر الثروة الكبيرة التي صنعها في المهجر لاستعادة الأراضي التي باعها والده وما خلفه ذلك من حقد الكثيرين. واستطاع في ظرف قياسي أن يفرض نفسه وسط "ثاجمعث" ويكسب احترام أعيان القرية نظرا لحنكته وطريقة تفكيره، لكنه اصطدم بالواقع المر ولم يكن يعتقد أن عودته كانت تخفي له معاناة وآلام كثيرة، خصوصا أن ابن عمه سليمان كان تعهد بالثأر عن اغتيال شقيقه "رابح"، واستغل الحاقدون ذلك لتحريضه. وركزت المسرحية على مدى اهتمام العائلات بإنجاب جنس الذكر للحفاظ على استمرارية العائلة وضمان الميراث وكان مرض العقم. وتطرقت المسرحية إلى بعض الطقوس التي تستخدم للعلاج من هذا المرض الذي يعتبر مصيبة حقيقية على غرار الاستعانة بالشيوخ الصالحين. ولم تكون "كمومة" والدة أعمر أوقاسي سعيدة بسبب عدم إنجاب ابنها رغم مرور سبع سنوات على زواجه ب«ماري"، وقالت الوالدة: "شرط سعادتي هو إنجاب طفل ذكر". وتواصلت مجريات المسرحية لتظهر فضيحة شرف بارتباط أعمر أوقاسي ب«شابحة" زوجة سليمان بعلاقة حميمية وجنسية، وسرعان ما انتشر الخبر في القرية ولم يتجرع زوجها سليمان الأمر حيث قرر الثأر من شرفه، إذ أقدم على اغتيال أعمر أوقاسي ببندقية وانتحر للهروب من الفضيحة. وانتهت المسرحية بتشييع جنازة الضحيتين، وقبل ذلك فاجأت "ماري" الجميع برمي حزامها على جثة أعمر أوقاسي، وهي طريقة قبائلية معروفة لتطلع العائلة وسكان القرية بأنها حامل، وأن الوراثة مضمونة قبل أن يكتشف الكل أنها ابنه رابح.