هل يعقل أن حزب جبهة التحرير الوطني بالرغم من التاريخ النضالي لقياداته والأسبقية في التأسيس والمعاصرة لكل المراحل المنيرة والمظلمة لجزائر ما بعد الاستقلال عاجز عن تقديم نموذج تداول سلس على قيادة قاطرة الحزب ؟ ونجده يعيش منذ أكثر من عشريتين أزمة قيادة أو أزمة تداول، ولا نجد تولي منصب الأمانة العامة إلا بطريقة التصحيح سواء بأسلوب علمي أو بطرق فيها الكثير من الهمجية. السؤال الأكبر من الصراع ذاته هل من مصلحة الجزائر أن يسود التناطح الدائم داخل الأحزاب التي توصف بالحاكمة ويعيش مناضلوها الحقيقيون الكثير من الخيبة في تولي قيادة ممثلة للقاعدة حقيقة؟ فبالرغم من توفر "الأفلان" على مخزون كبير من القيادات المناضلة إلا أننا لا نجد انعكاسا لنضالهم على مخرجات الحزب ممثلة في مواقفه أو تساهم فعلا في رسم السياسة العامة للحزب بل يصل الأمر إلى حد التناقض بين الخط الوطني للحزب والتوظيف السيئ لرصيده في مختلف المحطات، إلى درجة اتهام القيادة بالفساد والترشيحات المشبوهة ... رغم أن دعاة التصحيح لا يمكن تنزيههم بحال من الأحوال باعتبارهم يتصدرون الحركات التصحيحية منذ زمن بعيد، فالوجوه ذاتها يتكرر ظهورها كلما لاحت أزمة قيادة في الأفق. فمنذ الاستقلال التصقت صفة الحزب الحاكم بجبهة التحرير الوطني فهل هو حقيقة من يصنع من يقودون البلاد؟ بل ترتبط أزماته القيادية دوما بالاستحقاقات التي يفترض أنها تفرز من يقودون مؤسسات البلد، لذلك يطرح سؤال جوهري آخر هل حَكمَ الأفلان الجزائر يوماً ؟ وهل من مصلحة الجزائر كبلد ينشد الديمقراطية كآلية تداول ألا تحكمه أحزاب تتحمل مسؤولياتها في مختلف الفترات ؟ لأنه من السهل تسطيح المسألة وتحميل حزب جبهة التحرير كل الكوارث التي حلت بالجزائر باعتبارنا لم نر "الأفلان" إلا لصيقا بدواليب الحكم ؟ لكن السؤال الجوهري الذي يحتاج إلى جواب شافي هل حَكمَ حزب جبهة التحرير الوطني الجزائر يوما ؟ وما ينجر عنه من تساؤلات فرعية ؟ المنطق يقول من مصلحة الجزائريين أن يحكمهم "الأفلان الحقيقي" و بصفة شفافة لمرحلة معينة ويتحمل كامل مسؤولياته في التسيير وإن عجز ترك المشعل لغيره بأسلوب ديمقراطي، أما الأمر الضار للبلد والمحبط للأجيال فعلا فهو هذه الضبابية التي لا تحمل من الممارسة السياسية إلا الإسم، وقبل ذلك تنقية المناخ السياسي من الدخلاء الذين يغيبون عند الفزع ويظهرون عند الطمع، وهذا أحد أدوار المناضلين الحقيقيين الذين لن يتسامح التاريخ معهم إذا رضوا بالأمر الواقع مقابل راحة البال.