قُلتها ذات مرة أن حكومة تضمّ في فريقها مثل «إيغور ليبرمان» هي حكومة حرب وتصعيد وإجرام ولا تضع خطوطا حمراء أمام إرهابها ومؤامراتها لتصفية القضية الفلسطينية، وللأمانة فإن هذا العنصري المهاجر من مولدافيا بروسيا عام 1978 لم يخفِ يوما وجهه الإجرامي ولا وَضَعَ طاقيةَ النفاقِ السياسيِّ كما يضعها البعض، كل كان يعلن نواياه وخططه صراحة ولا يتردد في كشف جرائمه والافتخار بها، تماما كما كان يفعل السفاح شارون.. والواقع أن «ليبرمان» وهو زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» المتطرف صاحب الآراء العنصرية الذي دعا الى إخضاع مليون وأربعمائة ألف فلسطيني إلى امتحان الولاء الوطني وأصرّ على نزع الحقوق المدنية والهوية الاسرائيلية عن كل عربي ما لم يقسم يمين الولاء للدولة اليهودية، قلت هذا البُعْبُعْ الروسي كما تصفه وسائل الإعلام الروسية لم يخفِ عزم اسرائيل على ارتكاب مجزرة في حق نشطاء أسطول الحرية، إذ أورد قبل يومين بأن اسرائيل تستعد لإيقاف قافلة السفن مهما كان الثمن، وتضع خطا أحمر تحت كلمة الثمن، ووصف هذه القافلة بأنها نوع من التحرش، ودعا المجتمع الدولي إلى تفهّم إجراءات إاسرائيل الصارمة وهو يدرك طبعا بأن العالم سيتفهمها وسيلتزم الصمت، وفي أحسن الأحوال قد يكتفي بإدانتها أو الدعوة إلى ضبط النفس أو ذرف دموع التماسيح.. «ليبرمان» قال قبل يومين بأن الجيش الاسرائيلي حرّك سفنا حربية إلى عرض البحر لاعتراض أسطول الحرية الذي يسيّره عدد من الناشطين لكسر الحصار على قطاع غزة، وأكد العزم والإرادة السياسية لمواجهة ما وصفه تحرشا مكشوفا ضد إسرائيل، كما أشار إلى أن حكومته أصدرت مذكرات تمنع دخول السفن الى غزة، وأن هذه السفن تنتهك القانون الدولي، ما يبرّر استخدام القوة ضدها، وفعلا وعد ليبرمان وأوفى وكانت المجزرة في عرض البحر في حق ناشطين مسالمين كان همهم الوحيد هو توصيل الغذاء والدواء لأهل غزة المحاصرين ولفت أنظارالعالم إلى هذه المأساة التي تستمر في معاقبة شعب ذاق الويلات خلال حرب غزة قبل عام ونصف العام. ليس هنالك حدود لجرائم إسرائيل، هذا أمر مفروع منه، وبالتأكيد لن نتعجب لتصرفها البربري هذا، فهي لم تخفِ وحشية سياستها ولم تتردد في قتل الناشطين الغربيين المتعاطفين مع الفلسطينيين، وقد وقف العالم أجمع قبل سنوات قليلة على المدرّعات الصهيونية وهي تسحق شابة أمريكية كانت تحمي بجسدها منزلا فلسطينيا من التهديم.. إسرائيل التي تقتل النساء والأطفال والشيوخ لايمكنها أن تتردد في قتل ناشطين يحملون غذاءً ودواءً لأهل غزة المحاصرين، ثم من سيحاسبها أويجرؤ على لومها، لا أحد بالتأكيد، فالكبار الذين يحاربون طواحين الارهاب في بلاد المسلمين ولا يرون في مذابح الصهاية إرهابا، يمنحونها دوما الماء والصابون لتغسل يديها من دم الأبرياء الذين تتفنن في تذبيحهم والتنكيل بهم.. وطبعا هناك «الفيتو» الأمريكي الحاضر دائما لحماية ظهرها.. سلسلة جرائم إسرائيل مستمرة من دير ياسين مرورا بسحق الجنود المصريين بالمدرّعات في سيناء، وبمذابح صبرا وشاتيلا وقانا وجنين وغزة، وقصف مقر منظمة التحرير الفلسطينية بتونس، وقتل 16 قياديا، ثم الاغتيالات الفردية التي مسّت قيادات لبنانية وفلسطينية مثل عماد مغنية والمبحوح وقبلهم نسفُ شيخ الشهداء المقعد أحمد ياسين.. وفي كل مرة تمرّ هذه الجرائم دون عقاب، ورغم أن صوت الضحايا يكاد يمزق خطوط الطول والعرض الا أنه لا يصل مطلقا آذان حماة حقوق الإنسان بالكلام والنفاق والمعايير المزدوجة. مجزرة «أسطول الحرية» ستُقَيَّدُ حتما كرقم في سجل جرائم اسرائيل، وستُحفظ جانبا لتَلِيهَا جرائمه ومذابح أخرى، ليستمر المفاوض الفلسطيني معصّب العينين يسير في متاهات السلام الكاذب، وتستمر إسرائيل تتقاذفه بين الأحلام والأوهام تمارس طقوس عنفها كما تشاء، ما دامت على ثقة بإفلاتها من العقاب.