الفن الأندلسي تراث عريق، يجمع العديد من دول حوض البحر الأبيض المتوسط باختلاف طبوعها وموسيقاها، وفي خضم النقاش الدائر حاليا عن الآليات المتاحة للحفاظ على الموروث الثقافي المحلي مع تطور الآلات الموسيقية ووسائل الاتصال، ارتأينا الحديث مع فنان موسيقي يجمع بين الغناء والتلحين وتدريس الموسيقى الأندلسية، إضافة إلى كونه باحث في التاريخ والجيولوجيا، إنه الفنان نور الدين سعودي، الذي جمعنا به نقاش وحوار شيق على هامش مشاركته في الحفلة الفنية التي أقيمت سهرة الخميس الماضي بالمركز الثقافي الفرنسي للجزائر العاصمة احتفاء بالعيد العالمي للموسيقى. ̄ سعودي الفنان، الموسيقي، الأستاذ والباحث أين تجد نفسك أكثر ، وما السر في الجمع بين هذه الأشياء؟ ̄ ̄ السر يكمن في حب الاكتساب والعطاء، فأنا قبل كل شيء باحث في حقبة ما قبل التاريخ والجيولوجيا ،حاولت إضافة أشياء لنفسي، وبحكم أني أهوى الموسيقى الأندلسية كان لي فيها مشوار طويل وتجربة، إذ درّستها وتعمقت فيها وكنت من بين الأعضاء المؤسسين للجمعية الفخارجية ومؤسس للجمعية السندوسية، ثم أصبحت من مدرسي هذا النوع الموسيقي، ونجد اليوم العديد من مشاهير الأغنية الأندلسية والشعبية والحوزي هم تلامذتي أمثال بهجة رحال، زكية قارة تركي، مراد جعفري، نعيمة الدزيرية، لاميا ماديني، وغيرهم ممن هم في الميدان وبعدها أصبحت اصعد إلى المنصة للعزف والغناء، فإذا كل شخص ولد مع ميولات معينة والفنان يحمل واجب تقديم رسالة هادفة للمتلقي، انطلاقا من ذلك أرى أن على عاتقي مسؤولية تجاه الجمهور واكتسابي المعرفة لهذه الأشياء هي إضافة أخرى للفنان. ̄ ومشاركتك في حفلة ''على أبواب المتوسط''هي إضافة أخرى ربما مع وجود موسيقيين يمثلون التراث المتوسطي؟ ̄ ̄ الفنان متفتح على مختلف الثقافات والألحان، وبحكم أننا في محيط متوسطي من الطبيعي أن نلتقي ونبقى دائما على تواصل، فتراثنا الموسيقي له قاعدة مشتركة يحتاج فقط إلى تنشيط مثل هذه الحفلات، وسهرة اليوم جمعت موسيقيين يمثلون التراث البيزنطي والأكستاني ألحانهم وآلاتهم ليست بعيدة عن اللحن الأندلسي . ̄ نحتفي هذه الأيام بالعيد العالمي للموسيقى ماذا تمثل الموسيقى بالنسبة لكم؟ ̄ ̄ الموسيقى هي اللغة التي تجمع الجميع، من خلالها نستطيع التعبير عن شعورنا ووجداننا والإحساس بالوجود، فالفرد كل لحظاته موسيقى يتلمسها في كل مراحل حياته وشعوب دول العالم تتجاوز ذلك الاختلاف اللغوي بالموسيقى العابرة للحدود. ̄ كل فنان يطمح دائما لتقديم الجديد وإحياء نشاطات والقيام بجولات، هلا حدثتنا عن نشاطاتكم ومشاريعكم في ظل ارتباطاتكم ومشاغلكم العديدة؟ ̄ ̄ كما قلت لكم فانا قبل كل شيء باحث أقدم محاضرات في ميدان الجيولوجيا وما قبل التاريخ، فجل وقتي اقضيه في البحث وإلقاء المحاضرات، إضافة إلى نشاطي داخل الجمعيات الموسيقية الأندلسية والذي قل مؤخرا، مع مشاركاتي من حين لأخر في مختلف السهرات الفنية داخل وخارج الوطن، وبالمناسبة سأكون حاضرا في مهرجان'' شفشوان'' بالمغرب للأغنية الأندلسية الذي يقام هذه الأيام، كما أني أعكف حاليا على خلق نوبة جديدة أو لنقل إضافة للنوبة الدزيرية، التي هي موجودة حاليا في السوق ونالت إعجاب الجمهور، فانا قمت بتأليف العديد من النوبات والآن أحاول إثراء النوبة الأندلسية بإضافة طابع ليس موجودا في اللحن الأندلسي والموجود في الطابع الشعبي، فانا أحاول دائما إثراء الموسيقى الأندلسية، لأنه لابد من التعمق في النظريات الموسيقية لهذا النوع وتحديثه. ̄ إذن أنت من بين الداعين إلى إدخال أدوات وآلات موسيقية جديدة على الموسيقى الأندلسية؟ ̄ ̄ أنا أرى انه ليس عيبا إدخال تقنيات جديدة على هذا النوع من الموسيقى محاولة منا عصرنته ليتجاوب مع تطور الآلات الموسيقية العالمية، ولما لا إدخال آلات غربية لكن مع المحافظة على الباطن والأصل والبقاء في نفس اللحن، لأننا ننتمي إلى الحضارة العالمية والموسيقى جزء من هذا الإرث العالمي، فلابد علينا أن نستفيد من تجارب بعض الدول الغربية، التي أخدت في السابق من موسيقانا بل ودرّست أجيالا وأجيال حضارتنا وثقافتنا واستمدت قوتها من هذا التنوع، وقبل ذلك لا بد علينا أن نجتهد في دراسة الجانب التاريخي والعلمي والتقني لهذا التراث الموسيقي، لنقدمه لأجيالنا القادمة مع إعطاءه البعد العالمي وبالتالي المساهمة في نشره والمحافظة عليه، فليس مبرر إذن الخوف أو التردد في إدخال آلات وأدوات جديدة على اللحن الأندلسي من طبوع أخرى، وهذا ليس معناه تغيير المقام الأندلسي الذي أصبح عالميا مثله مثل أغنية الراي والشعبي. ̄ ماهي نظرتكم إلى الثقافة في بلادنا ومكانة الموسيقى الأندلسية؟ ̄ ̄ أنا أرى أن هناك أمورا ايجابية تعبر عن إرادة حقيقية في الاهتمام يتطوير الثقافة في بلادنا، لكن تبقى غير كافية لأن الثقافة هي عماد تحضر الأمم ومنها نستمد شخصيتنا وقوتنا، وبحكم التنوع الثقافي الذي نتمتع به في بلادنا لابد علينا من الاجتهاد أكثر وتنظيم حالنا والجمهور الجزائري ''ذواق'' جدا، لذلك نحمل مسؤولية كبيرة تجاهه لنقدم له الكلمة الجميلة التي تحمل معاني سامية ولحنا شجيا، ليبقى على تواصل دائم مع حضارته ويحافظ على تراثه، أما عن الموسيقى الأندلسية التي هي جزء من هذا التراث الحضاري والذي يجمع شريحة واسعة من المجتمع الجزائري وله امتدادات في المغرب العربي واسبانيا، بحاجة إلى دعم دائم وإنشاء مدارس أخرى حتى نبقى في مستوى رسالة أجدادنا، لأن الفن الأندلسي يحتاج إلى دراسة معمقة لتكوين أجيال تساهم في الحفاظ عليه. ̄الفنان يؤثر ويتأثر كيف تنظر إلى علاقة الإعلام بالفن ككل والموسيقى الأندلسية خصوصا؟ ̄ ̄ أنا أرى أن الإعلام هو حلقة مهمة في إثراء وتطوير الفن ببلادنا، بحكم تأثيره الكبير على شريحة واسعة من المجتمع، وبالمناسبة أنا من الذين يطالبون أن يكون الإعلامي متخصصا في الثقافة حتى يستطيع المساهمة إيجابا في إثراء المشهد الثقافي، خاصة مع تطور وسائل الإعلام حتى أننا أصبحنا لا نفرق بين الفنان الحقيقي الملتزم و''الداخلين'' على الفن. في السابق وسائل الإعلام وحدتنا على معرفة وسماع عمالقة الفن الجزائري مثل خليفي أحمد، أحمد وهبي، عبد الكريم دالي ورابح درياسة وغيرهم، أما الآن مع احتراماتي للجميع تشعبت الأمور وأصبحنا نسمع غناء وموسيقى'' منحطة''، فالإعلامي يطلع بمسؤولية حساسة مثله مثل الفنان الذي يحمل رسالة، ومن هذا المنبر الإعلامي أتمنى أن يُرد الاعتبار للفنانين الحقيقيين . ̄ هل من كلمة أخيرة.. ̄ ̄ أقول الثقافة ثم الثقافة ثم الثقافة، فهي الطريق إلى نجاح وتقدم المجتمعات، وبلادنا الحمد لله تزخر بتنوع ثقافي هائل مع وجود مواهب شابة طموحة، علينا فقط المساهمة في الاعتناء بها وصقلها، وادعوا كل الإعلاميين مرة أخرى، أن يقوموا بدورهم في نشر الوعي بحضارتنا وتراثنا الغني وشكرا لجريدتكم.