يبقى التحدي الذي يواجه التجارة الداخلية في الجزائر، يكمن في التغلب على فوضى الأسواق ووضع حد للمعاملات التي تتم في الخفاء وتبتز جيوب الزبون البسيط، ومدى القدرة في التعجيل على احتواء السوق الموازية من خلال مسح وضبط حقيقي للمساحات التجارية بإستراتجية ناجعة على اعتبار أنه مازال ما لا يقل عن 5700 سوق موازٍ ناشط عبر كامل التراب الوطني، ولا يتوقف الأمر عند أسواق التجزئة، بل وزير التجارة مصطفى بن بادة كان قد أعلن مؤخرا عن ما لا يقل عن 5000 تاجر ينشطون في سوق الجملة للمواد الغذائية بجسر قسنطينة. أمام ضعف الرقابة، وفشل محاولات إحتواء التجارة التي تنشط بعيدا عن أعين الرقابة وردع القانون، حان الوقت لترجمة الوعود على أرض الواقع وتسطير استراتجيات ميدانية حقيقية، لإنهاء معاناة الزبون من جشع المضاربين وأنانية المحتكرين، وهل الإشكالية تكمن في غياب الأسواق بالقدر الكافي، أم أن ثقافة التنظيم وتطبيق القانون بشكل فعلي هو ما ينقصنا في الجزائر؟ وهل فعلا خلق مؤسسة تسند إليها عملية تأطير بناء أسواق البيع بالجملة على المستوى الوطني هو الحل، وعلى اعتبار أن الدولة تنوي خلق العديد من نقاط البيع بالجملة على مستوى الولايات وكذا الأقاليم الرئيسية للوطن حتى تنهي أزمة المساحات التجارية؟ وهل مشروع قانون المنافسة الذي يرتقب أن يدخل حيز التنفيذ شهر سبتمبر المقبل سيتمكن من إعادة الإعتبار للمنافسة عن طريق مراقبة الجودة والنوعية؟ خاصة وأننا نقترب من شهر رمضان وكان الوزير مصطفى بن بادة على هامش الجلسات الوطنية الأولى من نوعها في قطاع التجارة وخلال ندوة صحفية قد اعترف بصعوبة مراقبة إلتهاب الأسعار وقطع الطريق أمام المضاربين، مكتفيا بالإلتزام بتوفير المواد الغذائية والفلاحية من خضار وفواكه ولحوم بكميات معتبرة، بالنظر إلى قلة عدد الأعوان الذين لا يتجاوز ال 1800 عون من أعوان فرق الرقابة وقمع الغش خلال شهر رمضان الداخل، علما أن عملية تعزيز أعوان الرقابة في آفاق عام 2013 ستسمح بتوظيف ما لا يقل عن 7000 عون لرقابة الجودة والنوعية والتساؤل الذي يبقى قائما، هل بإمكان هذه الترسانة من الأعوان من تجسيد رهان رقابة فعلية تعيد الإعتبار للأسواق وتحمي الزبون من جشع التاجر سواء تعلق الأمر بتاجر الجملة أو تاجر التجزئة؟. وإن جاءت تقديرات وزارة الداخلية تصب في مجملها في تحديد غلاف مالي ضخم يقدر بنحو 33 مليار دينار لإنجاز الأسواق الجوارية واستقبال الأسواق الموازية وإعادة تنظيم ما لايقل عن 90 ألف تاجر، عبر كامل التراب الوطني، إلا أن تكريس ثقافة تطبيق القانون وتفعيل الرقابة يجب أن يسبق بناء هذه الأسواق حتى لا تتكرر ظاهرة البيوت القصديرية التي تحولت إلى تجارة مربحة للإنتهازيين وينبغي أن يشرع في إحصاء التجار والمساحات التي تضم التجارة الموازية والتعجيل بإيجاد بديلا للمساحات ببناء أسواق، ومن ثم تبدأ الرقابة، التي لا يجب أن تقتصر على تجار التجزئة، بل تجار الجملة وما يطلق عليهم بتجار الحاويات الذين يوجد منهم من ينشط في الخفاء ويغرق السوق متى شاء ويلهب الأسعار في المواسم التي يكثر فيها الطلب على المنتوجات.