في يوم ساخن ، شديد الحرارة وقف الشعراء على المنصة في مواجهة جمهور متوسط الحضور ، بينما كان منشط الجلسة يصول ويجول في انتظار لحظة صمت تجود بها القاعة على اختلاف زائريها الذين قادهم الشوق في هذا اليوم القائظ ... امسك المنشط الميكروفون ليملي على الحضور أوامره المتشددة مطالبا الجميع بالسكوت والسكينة وبلهجته الشديدة وبعث بعضا من الهدوء فلا جلبة ولا ضجيج ولا أصوات هواتف ولا تصفيق . انكمش الجميع كحبات التين نهاية الخريف وراحوا يصغون لفحول الفصيح وهم يبدعون ثناء للوطن فغبت عن الوعي وسافرت إلى اللاوعي فعاد بي الزمان إلى تلك الأيام الجميلة حينما كنا صغارا .. أيقظتني والدتي في ذلك اليوم الربيعي الجميل باكرا لأحضر لها قليلا من الحطب من الوادي المجاور لقريتنا، قبيل حلول موكب الرئيس الذي سيزور مدينة بسكرة، كان يوما عظيما يختلف عن العيد، لكن يشبهه... اصطففنا كما طلب منا معلمنا ومدير مدرستنا ونحن نرفل في ملابس الكشافة ذات الألوان الوطنية وفي يدي كل واحد منا علم صغير يرفرف لما هبت عليه النسائم الندية. كانت السعادة تملأ قلوبنا ونحن على امتداد رصيف شارع الأمير عبد القادر نشكل ديكورا جميلا وكلنا شوق لرؤية الرئيس ...تعبنا من الوقوف فلقد إستيقظنا باكرا وفجأة سمعت صفارات الموكب الذي وصل إلى قلب المدينة في سيارات شديدة السًواد ، نزل الرئيس ليترجل وكان يحيي الجميع يقبل بعضنا من حين إلى حين ليصل إلى نهاية الشارع فيمتطي سيارته ويختفي عن الأنظار تحت تصفيقات الجماهير وصيحاتهم بحياته وحياة الجزائر... بقي ذلك اليوم خالدا في حياتي ورغم أن ذلك الرئيس كان متشددا في أفكاره وآرائه، إلا أنًه رسم صورة جميلة للوطن في الداخل والخارج... تذكرت هذا اليوم الخالد وأنا احضر ذلك العرض الذي أقيم لتلبية نداء الوطن هذا الوطن الذي بدا شاحب الوجه وأبناءه يسمعون كل يوم عن مسؤول كان يخونهم في الخفاء والعلن وبدأت تلك الصورة الناصعة تفقد بريقه، لكن ما إن رأيت شدة المنشط وقسوته على الجمهور حتى حمدت الله على سلامة الوطن الغالي ومكانته في القلوب التي لم تمحه تلك الآثار مهما طال الزمن.... فالحمد لله ...لنا وطن ولا فخر.