دخلت إلى دكان المواد الغذائية بخطوات متثاقلة، أعيتها السنون وأثقل كاهلها العوز والفاقة، وفي عينيها دموع تأبى النزول، ترتدي أسمالا بالية تصدر منها رائحة الرطوبة ودخان نار الحطب... ألقت السلام على البائع الذي كان ساهما ومحدقا في هاتفه الرقمي، فما كان (...)
كانت قريتنا الهادئة على ضفة الوادي الذي يميزه الجفاف الدائم إلا من سيول نادرة، تملأ جنباته أزهار الدفلى وشجيرات الحنضل والحرمل، وبعيدا بعيدا تشاهد أشجار السدر ونبقها الطيب اللًذيذ بجانب عين يسميها العامة عين بنت شهيلي، كنت ألتقي بها عندما تقصد (...)
عادت به ذكريات الطّفولة والصبا، عندما كان يضع رأسه على ركبة جدته لتداعب شعره الخفيف وهي تحكي له قصصا من حكايا ألف ليلة وليلة، كانت تسري قشعريرة باردة على كل أنحاء جسمه، عندما تصل الجدة إلى مقطع انفراد الغولة ببنت السلطان في محيط فلاحي معزول لتحاول (...)
لأوّل وهلة تراه يخيل لك أنًه شرير، ولكن من أول ما تكلمه أو تتعامل فقط، تتغير نظرتك له دورة زمنية كاملة، كل سكان قريته يحبونه، ليس ذلك فحسب بل حتى كل القرى المجاورة...
تقول الحكاية الشعبية إنه قادم من اليمن، وأخرى تقول أنه جاء من مكة لكن ما يهمنا (...)
كعادتها تبقى قريتنا تعيش تفاصيل يومها الرمضاني بكل هدوء وبساطة، ابتداء من الصباح الهادئ المطعم بالنسائم العليلة كباقي الصباحات الرمضانية...فهذه الساقية الفلياشية القادمة مياهها العذبة من منبعها بعين قرمودي، ىحيث تنساب صافية رقراقة لا شيء يعكر صفوها (...)
في اليقظة وفي المنام تراودنا أحلامنا القديمة، في أن نستيقظ في مدينة لا تحلم مثلنا بأن تكون كباقي المدائن السعيدة في تلك البلاد البعيدة.
ولكن عبثا نحاول فأحلامنا صارت مستباحة لا سامع لها ولا مجيب، تراودنا أفكار وأفكار: كيف استبيحت المدينة لتبيع شرفها (...)
عندما كُنت في العاشرة من عُمري كانت الإنسانية أيضًا في العاشرة من عُمرها.. فمنذ طفولتي لم أجرب العيش بلا أحلام.. كم هو مؤلم أن تنتظر شيئاً، وأن تحرم من شيء، وأن تغلق عينيك ليلاً وأنت تأمل في شيء، أن تتلقى وعداً بشيء...
فقط في سن العشرين أدركت (...)
عاد الرعاة بقطعانهم باكرا هذا المساء لعل الغيمة الرمادية الباردة هي سبب عودتهم خوفا من أن تدركهم الأمطاربالمراعي، بدأ البرق يلمع من بعيد ليعقبه هزيم الرعد، إنً الأمطار قادمة لامحالة، إنًه خريف الخير إن شاء اللًه، لقد جاءت الأمطار باكرا على غير (...)
نحن كأقلآم التلوين، قد لا أكون لونك المفضل ،ۄقد لا تروق لك ألوان الآخرين ،ۄلكننا سنحتاج بعضنا يوماً ما لتكتمل اللوحة
هكذا حالنا ونحن على أديم الأرض ،نسعى دائما لأن نتكامل ونتمم بعضنا البعض رغم الإختلافات ورغم الأهواء والميولات التي تتجاذبنا ورغم (...)
عندما تزاحمت الأفكار والكلمات لملمت حروفي لأعلن استقالتي من هذه الحياة التي جعلتني أعيش على هامش من الذكريات، استجمعت ما بقي لي من وجع بقي أثره ضئيلا حتى كدت أن لا أراه.
كل اللحظات الشاردة بين اللحظات، لم تعد تغنيني عن هامش الذكريات هي ذكريات الزمن، (...)
لطالما كان لقاء لأهل الحي كل مساء يجمعهم عند ذلك الجدار الطيني لمسجد القرية الوحيد «جامع سي البشير» حيث كان يفتح النقاش على إتساع مواضيعه التي تهم الجميع، فكان كل واحد يدلو بدلوه، وكان كثيرا ماتشتد النقاشات والمشاحنات وعادة مايفترقون على خصومات (...)
حكت لي والدتي الحكايات والأساطير، غير أن حكاية جارتنا فاطمة كانت الأروع على الإطلاق، منذ ان فتحت عيني ووعيت على الدنيا وانا اعرفها قوية صابرة لا تشتكي من قلة ولا تتذمر من فقر او عوز، عكس بنتيها اللتين كانتا كلتاهما كلها رقة وعذوبة وجمالا انوثتهن (...)
أرقبُ كلّ يوم قدومكَ الجميل على ظهر دراجتك الزرقاء، كزرقة سماء قريتنا، كنتُ كلما رأيتكَ بتلك البذلة الرسمية وأنتَ تضع على رأسكَ قبعة زادتك هيبة ووقارًا، رأيتُ فيكَ أملًا يتجدد كل يوم، بمستقبل أكثر إشراقًا ونورًا، وأنا الذي أعيش عزلة ما بعدها عزلة، (...)
كانت جدتي دائما تردد عبارتها اللازمة : سأعيش شامخة كالنخلة الوحيدة في قلب الصحراء، وكانت تمر كلمة جدتي مرور الكرام، وهاهي جدتي قد ودعتنا إلى غير رجعة سنوات التسعينيات ولم تتوقف عن ترديد عبارتها، لم نكن هذه المرة قبيل وفاتها لنفهم العبارة حتى أفقت (...)
وقفتُ أمام المرآة وأنا الذي نسيتها منذ مدة طويلة، تأملتُ ملامحي الغريبة، دُهشت، صُدمت، كيف كبرتُ سريعاً، كيف تغيرت ملامحي؟ لم أحزن لأنني كبرت، فجميعنا سنكبر وسنتقبّل مراحل أعمارنا، ولم تحزنني تلك التجاعيد على وجهي، ولاشعري الأشيب، ما أبكاني حقًّا، (...)
وأنا أطوف بالأسواق لشراء لعبة لابنتي الصغيرة، وأخرى لأخيها الذي يكبرها بسنتين، وبين زحمة الناس وكثرة اللًعب وأشكالها، وتنوع ألوانها البراقة الجميلة فمنها ما له شاشة ومنها ماله عجلات ...
وغيرها وغيرها، هذا يريد دمية ناطقة لإبنته التي نجحت في الإمتحان (...)
وأنا اطوف بالأسواق لشراء لعبة لإبنتي الصغيرة ،وأخرى لأخيها الذي يكبرها بسنتين ،وبين زحمة الناس وكثرة اللًعب وأشكالها ،وتنوع ألوانها البراقة الجميلة فمنها ما له شاشة ومنها ماله عجلات ...
وغيرها وغيرها ،هذا يريد دمية ناطقة لإبنته التي نجحت في الإمتحان (...)
مذ وعيت على الدنيا وأنا أعيش غريبا في وطني، ولدت كبقية البشر، في منزل طيني في قرية تميزها البساطة، يعمها الهدوء لاجبال فيها، فهي أرض مبسوطة، لهذا كان الأفق فيها واسعا، لكي تظهر كل صباح بقرصها الكبير شديد الإحمرار وكذلك عند الغروب، كانت قريتنا معزولة (...)
ضحك الصباح لشمس الصباح، أهلا وسهلا صديقة الفجر..، على أنغام هذه الأنشودة البريئة والمنبعثة من الراديو القديم في بيت جدي كنت أتناول فنجان القهوة ذي النكهة الطيبة لأن جدتي مازالت تتقن تحضيرها على جمر الكانون الطيني...
عندما أزور جدي وجدتي بمنزلهما (...)
استيقظ سكان حارتنا بعد ليلة خريفية ماطرة مع مطلع شهر أيلول بعد صيف شديد الحرارة سنة 1974 ليتفاجأوا بالوادي القريب من حيًنا، وقد امتلأ عن آخره فلا مجال للمغامرة من أجل العبور إلى الضًفة الأخرى «إنًها سنة خير إن شاء اللًه» هكذا قال والدي لتعقب عليه (...)
إلى تربة أرضك الطيبة، أيها الوطن الغالي العزيز ...إلى شمسك اللافحة ...وهوائك المنعش الجميل ...إلى مياهك وغدرانك إلى أشجارك والنخيل ...إلى كل صخرة من وادي سيدي زرزور ...
إلى جبالك العاليات ...إلى صفاء وزرقة بحرك المبهرة ...بلا منازع ..
مذ نشأت على (...)
لن أنسى تلك الأيام التي قضيناها بين جدران مدرسة قريتنا الوحيدة، كانت على أيامنا صغيرة لكنها كانت تسعنا جميعا،هي نظيفة وبهية الألوان لم نر في قريتنا مكانا يريح النفوس غيرها ... كان معلمنا عمار كلما لاحظ أوساخا بدأت تتجمع على جنباتها إلا واقترح علينا (...)
في يوم ساخن ، شديد الحرارة وقف الشعراء على المنصة في مواجهة جمهور متوسط الحضور ، بينما كان منشط الجلسة يصول ويجول في انتظار لحظة صمت تجود بها القاعة على اختلاف زائريها الذين قادهم الشوق في هذا اليوم القائظ ...
امسك المنشط الميكروفون ليملي على الحضور (...)
ما أحلى أن تعيش في الريف أياما لتريح أعصابك من ضجيج المدن وضوضائها ، هكذا كان يقول لي صديقي رشيد عندما يزورني بقلب المدينة الذي صار لا يطاق ،فرغم التمدن والتطور وكثرة الأسواق وكبريات المحلات ،إلا أن عيبها أنها أصبحت مرتعا للمنحرفين ومفرغة للنفايات (...)