قبل قرابة أسبوعين وتحديدا يوم 31 أكتوبر الأخير تاريخ إعطاء إشارة انطلاق تشغيل (مترو الجزائر) لم يكن المواطنون يظنون بأنهم سيقطعون المسافة الممتدة بين حي البدر وساحة البريد المركزي في ظرف زمني لا يتجاوز 14 دقيقة على متن وسيلة نقل هي الأسرع والأكثر راحة وأمنا على الإطلاق استقلها العاصميون في حياتهم بين وسائل النقل الحضري، لتضع بذلك حدا لمعاناة دامت طويلا. ولأن المواطنين أبدوا استياءهم من السعر لا سيما منهم الطلبة والعمال الذين يضطرون لدفع 100 دج للحصول على تذكرتين للذهاب والإياب، فقد تقرر وضع اشتراكات تحت تصرف الزبائن لمدة شهر يدفع مقابلها 1820 دج و540 دج مقابل اشتراك لأسبوع، دون تحديد عدد التنقلات، كما علمت »الشعب« بإدراج تخفيضات بنسبة 20 بالمائة للأطفال أقل من 15 سنة والأشخاص المسنين الذين يتجاوز عمرهم 60 سنة. ما يزال »المترو« يستقطب أعدادا هائلة من المواطنين الذين يريدون اكتشاف وسيلة النقل الجديدة والأسرع التي تضمن النقل لا سيما أولئك الذين عايشوا انطلاقة المشروع لكنهم فقدوا الأمل في تجسيده، وإذا كان القضاء على هاجس النقل والوصول المتأخر إلى العمل ومشكل ركن السيارات وكذا الاعتداءات والسرقة أهم الايجابيات المسجلة من قبل المسافرين عبر »المترو« الذي دشنه رئيس الجمهورية قبل نحو أسبوعين، فان المشكل المطروح من قبلهم وتحديدا من العمال والطلبة هو سعر التذكرة المقدر ب 50 دج. منفذ نجدة لكن السعر ليس في المتناول أجمع المواطنون الذين التقيناهم في محطتي المترو بساحة البريد المركزي وحي البدر وقطعنا معهم المسافة ذهابا وإيابا، على أن هذا الأخير مكسب هام للجزائر ولسكانها، لأنهم وجدوا فيه منفذا من هاجس النقل الحضري والضغط المترتب عنه، من مشكل ازدحام الطرقات ورحلة البحث عن مكان لركن السيارة والوقوف لوقت طويل في انتظار حافلة عالقة في طريق مسدود أو سيارة أجرة قد لا يقلك صاحبها إلى المكان الذي تريد وإنما إلى الوجهة التي تناسبه رغم أن المقابل لا يقل عن 140 دج. وتقاطع أولئك الذين تحدثوا مع »الشعب« في اعتبار سعر التذكرة بمثابة النقطة السوداء بالنسبة لهم مؤكدين بأنه مرتفع وليس في متناول الذين يستعملونه للالتحاق بمناصب عملهم وبالجامعات بالنسبة للطلبة الذين يشكلون الجزء الأكبر من الذين يستقلونه، لأنهم يضطرون لاستعماله على الأقل خمسة أيام في الأسبوع وبعملية بسيطة فانه يكلفهم 100 دج في اليوم ويدفعون بذلك 2200 دج للحصول على تذكرتي المغادرة والعودة لمدة 22 يوما أي دون احتساب عطلة نهاية الأسبوع. ومن أجل الحصول على اشتراك فان المعني بالأمر مطالب بتقديم ملف متكون من نسخة طبق الأصل من بطاقة الهوية وصورتين وملء استمارة، وفي حال ضياع بطاقة الاشتراك يدفع 300 دج للحصول على بطاقة جديدة التي يمكن تعبئتها بمجرد انتهاء صلاحيتها على مستوى جميع المحطات. غير أن الدولة سرعان ما بادرت بحل يتمثل في الاشتراكات التي انطلقت أمس عملية بيعها ويدفع المستفيد مقابل اشتراك لمدة شهر كامل 1820 دج يسافر من خلالها طيلة أيام الأسبوع بعدد تنقلات غير محدود يوميا و450 دج لمدة 15 يوما، وقد علمت »الشعب« أنه تقرر إقرار تسعيرة خاصة للأطفال الذين يقل عمرهم عن 15 سنة والمسنين الذين يتجاوز عمرهم 60 عاما منخفضة ب 20 بالمائة ابتداء من الأسبوع الداخل. ومن شأن الاشتراكات التي تم الشروع في بيعها منذ نهار أمس حل المشكل بالنسبة لشريحة العمال لأنهم سيوفرون بذلك 830 دج بالنسبة لاشتراك الشهر يضاف إليها مكسب التنقل خلال عطل نهاية الأسبوع التي تكلف 800 دج للشهر ليقفز المبلغ من 2200 إلى 3000 آلاف دج، على أن يدفع 540 دج للاشتراك الأسبوعي مع العلم أن التنقل على مدى 7 أيام يكلف 700 دج ويوفر بذلك المواطن 160 دج. لكن المشكل يبقى قائما بالنسبة للطلبة خاصة منهم الذين يدرسون بالجامعة المركزية والمدرسة العليا للتجارة وكذا كلية الطب الواقعة على مقربة من المستشفى الجامعي مصطفى باشا، واستنادا إلى إحدى الطالبات، فإن النقل الجامعي متوفر لكن الطالب مجبر على الخروج باكرا ليصل قبل الأساتذة لكي لا يفوته الدرس الأول لكن المترو أضافت تقول »يساعدنا على التحكم في الوقت كما أنه يضمن لنا الوصول في الوقت المحدد مما يجعله وسيلة النقل الأنجع لأنه وعلى عكس الحافلات المخصصة لنقل الطلبة لا يواجه مشكل الازدحام إلا أن السعر قد يحرمنا من هذه الخدمة الهامة والضرورية«. وذهبت زميلتها في نفس الاتجاه مرجحة إقبال الطلبة بكثافة في حال إدراج تسعيرة خاصة بهم تراعي ظروفهم، لأن المترو فعال وسريع ميزته الأساسية تمكين مستعمليه عموما والعمال والطلبة على وجه التحديد من التحكم في الوقت لأنهم مرتبطين بتوقيت محدد، مبدية قلقها من عدم النظر في انشغال الطلبة نظرا لتوفر نقل خاص بهم. إقبال أكبر خلال عطل نهاية الأسبوع كانت الساعة تشير إلى الساعة العاشرة وعشرة دقائق عندما فتح »المترو« أبوابه أمام المسافرين بمحطة البريد المركزي، ولأن تنقلنا للقيام بالريبورتاج تزامن واليوم الثاني من عطلة نهاية الأسبوع السبت الأخير فان عدد الذين استقلوه متجهين إلى مواقفه ممثلة في موقف خليفة بوخالفة والمعدومين وعميروش والبحر والشمس وحديقة التجارب وصولا إلى محطة حي البدر لم يكن كبيرا إلا أنه وبعد مرور فترة زمنية أدركنا أن السبب الفعلي أن المواطنين فضلوا قضاء حاجاتهم اليومية قبل الذهاب للتنزه دونما الاكتراث بعناء التنقل على اعتبار أنهم سيستقلون »المترو« للتوجه إلى حديقة التجارب أو إلى وسط المدينة للتسوق أو التنزه بكل بساطة. ولعل ما شجع المواطنين على الإقبال بنفس كثافة اليوم الأول من تشغيله لا سيما خلال نهاية الأسبوع، التنقل مجانا بالنسبة للأطفال حسبما أكد لنا البعض منهم، وكذا ركن السيارات في موقف بالقرب من محطة حي البدر الذي تشرف عليه المؤسسة الوطنية للنقل الحضري مجانا إلى غاية أمس الأول على الأقل في انتظار تحديد سعر تذكرته لاحقا. تنظيم محكم ويقظة تامة لعناصر الأمن الوطني وتنقلات للتجوال الليلي أول ما يلفت الانتباه بمجرد أن تطأ قدماك محطة البريد المركزي وكذلك الشأن بالنسبة لمحطة البدر التواجد المكثف لعناصر الأمن الوطني الذين تلقوا تكوينا متخصصا تحسبا لتشغيل »المترو« الأمر الذي استحسنه المواطنون كما أبدوا ارتياحهم للأمن الموفر الذي يبعث على الطمأنينة، مؤكدين أن انتشار عناصر الأمن الوطني إلى جانب توفر »المترو« على كاميرات المراقبة للحد من عمليات السرقة والاعتداءات التي طالما كانوا عرضة لها في مختلف وسائل النقل الحضري سواء تعلق الأمر سيارات الأجرة أو الحافلات. وعلاوة على مهمتهم الأساسية المتمثلة في ضمان أمن المسافرين عبر »المترو«، فإن رجال الشرطة المتواجدين بكل المحطات يسارعون كلما أحسوا بأن المتوافدين في حاجة إلى الاستفسار أو إلى خدمتهم تطبيقا لشعار »الشرطة في خدمة المواطن«. أكد لنا السيد رياض أودحمون الذي التقينا به بمحطة البدر بأنه يتنقل دائما عبر المترو ليس للذهاب إلى مقر عمله لأنه يعمل بالقرب من بيته الكائن بحي عدل الكائن بالقرب من المحطة بل لقضاء بعض الحاجات والذهاب إلى المسبح، مفيدا بأنه لا يكاد يستعمل سيارته التي أصبحت عبئا بعدما كانت وسيلة إنقاذ، لأنه يضطر إلى البحث عن حظيرة سيارات عادة ما يجدها مكتظة ليجد نفسه في طابور لا ينتهي، كما أن إيجاد مكان لها في الطرقات التي لا يمنع فيها التوقف أمر مستحيل حسبه. السيد أودحمون الذي لم يخف غبطته بتشغيل المترو، أكد أنه تنقل ليلا على متنه لتناول الشاي مع رفاقه لأن النقل مضمون وسريع سرعة البرق والأهم من ذلك أنه آمن، وخلال لقائنا به كانت بناته الثلاث برفقته ماجدة وشيماء وفلة وتحدث لنا مطولا خلال العودة إلى محطة البريد المركزي عن تنقلاته المكثفة عن طريق المترو، مشيرا إلى أن بناته ركبوه في اليوم الأول رفقة جدتهم مجانا لأن الأطفال والمسنين لا يدفعون ثمن التذكرة. وأبدى ذات المتحدث ارتياحه للأمن المتوفر سواء بالتواجد المكثف لعناصر الأمن الوطني أو لأعوان المراقبة والأمن التابعين لمؤسسة مترو الجزائر المنتشرين في كل مكان وبالقرب من مكان توقفه تحسبا لأي زلة من المستعملين الذين قد يتعرضون للخطر في حال اقترابهم من السكة، ولدى تواجدنا لاحظنا أن عددا كبيرا منهم خاصة الأطفال يتجاوزون الخط الأسود المحدد، إلا أن الأعوان يوجهون لهم تحذيرات في كل مرة حفاظا على أمنهم، لافتين انتباههم إلى أن في ذلك خطر على حياتهم لأن الأمر يتعلق بالتيار الكهربائي ذو الضغط العالي. وبرأي السيد أودحمون فإن عمليات السرقة والاعتداءات التي كانت تؤرق المواطنين في وسائل النقل الأخرى أصبحت من الماضي لأن السارق قبل أن يقوم بفعلته سيفكر كثيرا لأن المترو مزود بفيديو مراقبة يمكن من التبليغ مباشرة عن المتورط الذي يتم توقيفه في المحطة المقبلة. من جهته أكد أبو ليندة وياسمين البالغتين من العمر على التوالي 12 و6 سنوات أن المترو مفخرة ولم تذهب بذلك سنوات الانتظار الطويلة سدى، معتبرا أنه وضع حد لمشكل الوصول المتأخر إلى العمل وهو أكثر ما كان يؤرق العمال. التخلص من عبء السيارة والالتحاق بالبيت لتناول الغذاء وأقرت إحدى العاملات القاطنة ببلدية حسين داي والتي كانت تستقل سيارتها للذهاب إلى عملها بأنها تخلصت من مشكلة اسمها السيارة منذ تشغيل المترو، ذلك أنها باتت تستعملها فقط خلال عطلة نهاية الأسبوع وخلال تنقلها إلى وجهات لا تصل إليها وسيلة النقل الجديدة، مؤكدة أن المشكل مطروح بالنسبة للذين يتنقلون عبر الحافلة وعبر سيارة الأجرة ولكن كذلك بالنسبة لأصحاب السيارات لأنه وعلاوة على مشكل ازدحام حركة المرور التي باتت لا تطاق في الأعوام الأخيرة يواجه سائقو السيارات مشكل ركن سياراتهم كما أنهم عادة ما يتأخرون في الوصول إلى مقرات عملهم. واستنادا إلى ذات المواطنة التي أشادت ببيع اشتراكات لأنها تخفف العبء والتكاليف على المواطن، فإنها باتت تقطع المسافة التي تفصل بيتها عن مقر عملها في غضون 35 دقيقة كأقصى تقدير بعدما كانت تستغرق على الأقل ساعة كاملة في حال خروجها باكرا وساعتين تأخر في حال ازدحام الطرقات، مشيرة إلى أن السعر يبقى معقولا مقارنة بسيارة الأجرة التي يأخذ سائقها مقابلا لا يقل عن 110 دج وبالحافلات التي وإن قل سعرها إلا أن الاكتظاظ فيها والازدحام يجعلها وسيلة غير محبذة. كما أن مواطنا آخر أكد أن أخاه الذي يدرس بالجامعة المركزية لم يعد يستعمل سيارته منذ تشغيل المترو لأنه وبكل بساطة يفضل التنقل عبر هذا الأخير ليس فقط لأنه وسيلة نقل مريحة وسريعة، وإنما لأن السيارة كانت مشكلة حقيقية لأنه عادة ما يخرج باكرا للوصول في الوقت المحدد لتفادي ازدحام الطرقات كما أنه يجد مشكلة في إيجاد مكان لركن سيارته. أصحاب سيارات الأجرة المتضرر الأكبر ولأن المتنقل لا ينتظر أكثر من 3 دقائق لوصول المترو إلى المحطة، فان التنقل عبره خلصه من مشكل الضغط والتفكير في كيفية قطع المسافة والوقت الذي تستغرقه كما أنه وضع حدا للحوادث التي كانت تقع بمحطة القطار لأن المسافرين كانوا يحاولون الركوب فيه حتى بعد إقلاعه لأن تفويته يعني الانتظار على الأقل ساعة أخرى أو أكثر في حالة التأخر، ولم يخف أحدهم أنه يعود إلى البيت في بعض الأحيان لتناول الغذاء لأن ساعة الاستراحة كافية لذلك على يقوم بذلك طيلة أيام الأسبوع بعد اقتنائه الاشتراك. وأشار جعفر سفيان شاب في الثلاثين من عمره ويعمل بالميناء، إلى أن المترو يسمح للمواطنين بالترفيه عن أنفسهم بالذهاب إلى حديقة التجارب لأن الوصول إليها لا يستغرق أكثر من 7 دقائق، كما أن مشكل إيجاد مكان للسيارة لم يعد مطروحا، وعلى غرار بقية المواطنين فقد اشتكى من ارتفاع سعر التذكرة بالنسبة للعمال لأن دخلهم محدود، كما أنه أكد أنه لا يعقل توحيد ثمن التذكرة لقطع المسافة بين ثماني محطات وبين كل محطة وأخرى. لكن ذلك لا يمنع من أن المترو حسب جعفر والمواطنين الآخرين وسيلة هامة ومكسبا للجزائر والجزائريين، يضع لفائدة من استطاع إليه سبيلا حدا لمعاناة التنقل عبر الحافلات وسيارات الأجرة، مرجحا أن يكون المتضرر الأول من تشغيل المترو أصحاب سيارات الأجرة لأن قطع المسافة بين حي البدر وساحة البريد المركزي يكلف 140 دج في حين أنها لا تتعدى 50 دج عبر المترو، وتقل عن هذا السعر في حال اقتناء اشتراك. للإشارة، يقوم عمال مؤسسة خاصة بالنظافة بأشغال تنظيف في ظرف لا يتعدى دقيقتين للمترو بمجرد وصوله إلى المحطة، لكن التعليمات التي تمنع التدخين والأكل ونقل البضائع الثقيلة فيه من شأنها الحفاظ عليه. ويشتغل أعوان المراقبة والأمن وكذا المتعاملين الذين يقومون ببيع التذاكر وأعوان النظافة بنظام الفرق تعمل كل واحدة 8 ساعات، كما أن أعوان الاستقبال يقدمون خدمات في المستوى وفق ما يتطلبه منهم عملهم.