وضعت المنتجات المحلية موطن قدم لها في الأسواق المحلية والأجنبية، واستفادت من التقدم العلمي والتكنولوجي لتحسين الجودة والنوعية وتقديمها في حلة جذابة وأنيقة، كسبت بها ثقة الزبائن وأرضت أذواقهم، بعد أن ظلت لسنوات في منطقة الظل ليس بسبب عدم جودتها أوعدم احترام شروط توضيبها أو صنعها، بل لانعدام علامة تميزها وتقيد منشأها ورغم أن الجزائر تحصي الكثير من المنتوجات الفلاحية ذات جودة وقيمة غذائية عالية إلا أنها بدون وسم يمنحها «الهوية» لتدخل بها الأسواق الدولية من بابها الواسع وتعود منها بالفائدة الاقتصادية المنتظرة منها لتساهم في رفع مداخيل الخزينة العمومية من العملة الصعبة وتحرك الاقتصاد الوطني خارج قطاع المحروقات، وقد استطاع البعض من تلك المنتجات افتكاك الإعتراف العالمي على غرار تين بني معوش، زيتون سيق، وتمر دقلة نور في انتظار نجاح البقية للعبور إلى رواق التصدير بأمان. الطبعة 28 لمعرض الإنتاج الوطني، المنظم بقصر المعارض الصنوبر البحري، أعطت الفرصة لبعض المتعاملين الاقتصاديين والمنتجين، للتعريف بمنتجات موطنية عالية الجودة ظلت رهينة منطقتها الجغرافية، بسبب نقص الترويج الإعلامي لها، وضعف شبكة التسويق التي لا تتعدى في أحسن الأحوال ولاية أو ولايتين متجاورتين، رغم اجتهاد أصحابها في إخراجها من قوقعتها من خلال المشاركة في المعارض الوطنية والدولية والفعاليات الاقتصادية المنظمة على المستوى المحلي، والهدف توسيع انتشارها بحثا عن الربح التجاري، وتمكين الزبائن من الانتفاع بها. تين «بني معوش» الجاف يفتك علامة الجودة من كان يعتقد أن تين بني معوش الجاف يكون من بين المنتجات الأولى التي تفتك الإعتراف الوطني والعالمي، وهو القادم من منطقة جبلية بولاية بجاية، اكتفى سكانها الأوائل بزراعة هذا المنتوج لتلبية حاجياتهم الخاصة، دون أن يكون لهم تفكير في بيعه أو اقتحام الأسواق الوطنية قبل الأجنبية، ليتناقلوا زراعته جيلا بعد جيل ويعرف انتشارا سيما سنوات التسعينات، حيث تولى الشباب مهمة الحفاظ على أشجار هذه الفاكهة بتوفير شتلات منها وإعادة غرسها بمناطق أخرى، حتى باتت تغطي 21 بلدية من بني معوش على مساحة 1010 هكتار. وتين بني معوش حسب عمر بكوش في حديثه ل «الشعب» عرف قديما منذ سنوات الأربعينات وكتب عنه مزارع فرنسي في مؤلفه حول فواكه المتوسط وقال إنه ذو جودة عالية، سيما ذلك المنتشر بين منطقتي الصومام ببجاية وقرقور التابعة لولاية سطيف، وهذا يؤكد قدم المنتوج لأن المنطقة ملائمة لغرس أشجار التين فهي جبلية وترتفع عن سطح البحر بأكثر من 500 متر وهو ما جعلها قابلة لإنتاج مثل هذا النوع من الفواكه. وفي سنة 1996 تم إحياء أول عيد لتين بني معوش و في 2019 احتفل بالعيد 17، وهذا ما ساهم في التعريف به خاصة مع انتشار مواقع التواصل الاجتماعي وتركيز وسائل الإعلام على هذا النوع من المنتوج. ولم يستفد فلاحو المنطقة ولا المهتمون بزراعة التين حسب بكوش من أي مساعدة مادية من طرف الدولة، واقتصر تطوير الإنتاج على الإمكانيات الفردية، غير أن أكبر مساعدة تلقاها هؤلاء من السلطات تمكينهم من الحصول على علامة الجودة، وهو دعم مهم لأنه يمنح المنتوج اعترافا يفتح له المجال واسعا لدخول الأسواق الدولية بحماية وأمان. ولكن هذا لم يمنع المنتجين المنضوين تحت لواء جمعية، يقول بكوش من مراسلة وزارة الفلاحة لمطالبتها بمنحهم دعما أكبر، لتحسين ظروف عمل الفلاحين ورفع مردودية الإنتاج، خاصة وأنه بات يتأثر بعدة عوامل منها الحرارة، وقلة الإمكانيات، جعلت كميات الإنتاج تتراجع والأسعار ترتفع حيث يقدر سعر الكيلوغرام الواحد 1500 دج، في حين بيع نفس المنتوج بسعر 800 دج سنة 2017. وبين البحث عن دعم أكبر لتحسين مردودية المنتوج، وتجاوز معضلة التأثيرات المناخية، يسعى أفراد جمعية منتجي تين بني معوش الجاف لتنظيم أنفسهم أكثر وضبط عملية تغليف وتعبئة المنتوج، تحضيرا للانطلاق رسميا في تصديره إلى الأسواق الدولية في الموسم المقبل، تلبية للطلب الكبير المسجل من قبل دول الخليج، الدول الأسيوية والأوروبية، وكندا. براءة عالمية من مدريد لمكمل غذائي للرضع غير بعيد عن الفضاء المخصص لعرض التين الجاف بني معوش، وقف براهيمي جمعي صاحب شركة قولدن بالم بالدوسن بسكرة، بكل نشاط يستعرض منتوجا محليا آخر استطاع افتكاك الإعتراف العالمي بجودته وقيمته، ومن دون تعب فضل أن يستقبل هو جميع زائري جناحه، ليقدم الشروحات الوافية والكافية حول منتوج جزائري قدم في المعرض لأول مرة، مادته الأولية مستخلصة من أنواع مختلفة من التمور، هي ثمرة مشروع أسس منذ عام، ولكن بعصارة جهد منذ 10 سنوات. المنتوج يتمثل في شكولاطة التمر مستخلصة من أربعة أنواع من التمور، وبودرة التمر أو البديل الطبيعي للسكر ومكمل غذائي للرضع مصنوع من لب التمر، هذا الأخير حصل على براءة عالمية من مدريد، ويعد أول منتوج عالمي فعال لعلاج هشاشة العظام وفقر الدم عند الأطفال ويكفي إضافة ملعقة صغيرة في الرضاعة وتقديمها للرضيع لمدة شهر حتى يعود سليما معافى وطبيعيا حسب جمعي. وما يلفت الانتباه أن الاستثمار في هذا النوع من الصناعة التحويلية، تم بسواعد وآلات جزائرية مائة بالمائة، مثلما صرح به صاحب الشركة الخاصة، وقد سمح مشروعه بفتح 15 منصب عمل دائم و 20 منصبا غير دائم، و يأمل في توسيع المشروع 300 بالمائة، لرفع الإنتاج و تلبية الطلب الوطني في بداية الأمر، على أن يشرع في تصدير المنتوج بعد عام أو عامين، مع العلم أنه تلقى 60 طلبا للتصدير خلال أيام المعرض فقط من عدة دول. وعن تواجد هذه المنتجات بالسوق الوطنية، أجاب جمعي أنها تسوق بأسعار متفاوتة، فمثلا المكمل الغذائي لعلاج هشاشة العظام وفقر الدم يقدر ب 5000 دج، و 700 دج بالنسبة لشكولاطة التمر. والنقطة السوداء التي اشتكى منها صاحب شركة غولدن بالم، هي غياب شركات التغليف بولاية بسكرة، حيث يضطر إلى التنقل إلى العاصمة أو سطيف من أجل إيجاد طلبه. التونة الجزائرية تشق طريقها إلى الأسواق الإفريقية و الأمريكية لم يمنع نقص المنتوج المحلي بسبب قلة حصة الجزائر المسموح لها باصطيادها سنويا، القائمين على مصنع التونة بوهران، من اقتحام الأسواق العربية، والأوربية والآسيوية، فعملية تصدير التونة الجزائرية الصنع شقت طريقها إلى هذه الأسواق منذ سنة 2016، وارتفع الطلب عليها من طرف بلدان أخرى بالنظر إلى جودتها. ويركز المسؤولين على المصنع، حسب المشرف على التسويق بربوشة رضا على الأسواق الإفريقية لتوسيع شبكة تسويق المنتوج، ووضعت في قائمة الدول الجديدة المستهدفة كل من إفريقيا الوسطى والسودان، لتنظم إلى ليبيا، ودول أخرى من الخليج على غرار السعودية، وكندا بالقارة الأمريكية سبق وأن صدر لها المنتوج منذ سنوات. ويوظف مصنع التونة الواقع بالمنطقة الصناعية سيدي عامر بوهران نحو 450 عامل، وانطلق في الإنتاج منذ سنة 2001، بعد استفادته من دعم من طرف الدولة، وينتج حوالي 10 آلاف طن شهريا، ويغطي 84 بالمائة من السوق الوطنية، وهو من بين الاستثمارات الخاصة الناجحة التي يعول عليها لتحريك عجلة الاقتصاد خارج قطاع المحروقات. غير أن النقطة التي اشتكى منها الزبائن المترددون على جناح المصنع بالمعرض هي غلاء سعره، برره بربوشة بارتفاع سعر المادة الأولية في الأسواق الدولية، حيث تستورد التونة الحمراء من تايلاندا، إسبانيا والصين، لأن حصة الجزائر من هذا المنتوج لا تسمح بتغطية حاجيات المصانع المحلية. ويقدر سعر علبة التونة من نوع ماريتيمو ب 220 دج في حين يقدر سعر علبة من نوع مرتان 250 دج. الجبن الأبيض ينتظر الفرصة الجميل في معرض الإنتاج الوطني، أنه شكل فرصة حقيقية لعرض مشاريع استثمارية ناجحة، خاضها شباب في مقتبل العمر، وعائلات بأكملها، بعد الاستفادة من دورات تكوينية وتجارب ميدانية سهلت لهم ولوج عالم الإنتاج الصناعي أو الغذائي، ومجابهة المنافسة الخارجية، بالاجتهاد في تقديم منتوج نوعي ومميز وفي حلة جذابة ترضي عيون الزائرين قبل بطونهم. ولعل التخصص في صناعة الجبن، مهمة ليست بالصعبة على الجزائري، رغم المنافسة الشرسة لأجبان هولندا، وسويسرا التي فازت بثقة الجزائريين سبب ذوقها المميز، وجودتها العالية، ولم يمنع هذا عائلة حواس بالعاصمة من الاستثمار في هذا المجال، وبناء مصنع لإنتاج الجبن الأبيض، يوظف حاليا 100 عامل، وتطمح إلى توسيعه قريبا لرفع كمية الإنتاج، وفتح مناصب عمل جديدة للشباب خاصة بمنطقة تسالة المرجة. واستفادت العائلة من خبرتها التي اكتسبتها منذ سنوات التسعينات في صناعة جبن بربار، يقول عبد الرحمن حواس ابن صاحب المصنع ل»الشعب»، لفتح مصنع جديد لإنتاج جبن أطلق عليه إسم فاميلا، يجمع بين عدة أذواق منها الشيدار، والقودا، بالإضافة إلى الحليب، في تركيبة استطاعت نيل ثقة الجزائريين، بدليل ارتفاع الطلب عليه على حد قول عبد الرحمن، ما جعل المسؤولين على المصنع يقررون فتح مراكز للبيع بولايات الشرق والغرب ويعملون على توسيع شبكة التسويق لتغطية كامل التراب الوطني، في انتظار الشروع في عملية التصدير بعد مضاعفة الإنتاج.