بعد انتخاب الرئيس تبون، ظهر المشهد السياسي بشكل أكثر وضوحا، وحقيقة لا تدع أي مجال للشك، على أن إعادة النظر في خارطة الأحزاب والتشكيلات السياسية، صار أمرا ضروريا، بل حتمية تقوم عليها القراءات المستقبلية للفواعل المساهمة في بناء القرار السياسي. كشفت انتخابات 12 ديسمبر الهوة الكبيرة التي أحدثها الحراك الشعبي في قواعد الأحزاب، حيث جعلها وجها لوجه مع وضع جديد، لم يألفوه وهو خطاب يعكس تماما حجم المعاناة، مما عجل بوأد المفهوم الحقيقي للحزب السياسي كفضاء نضالي وليس وعاء انتخابي. ألفت الأحزاب ترويض السلطة لها، وصدها عن مهامها الحيوية عن طريق إفراغها من خطابها كقوة تأثير. كشف الإستحقاق عيوب الأحزاب فلم تقو على التخندق في جناح معين، بل إن أصوات قواعدها توزعت على مرشحين لم يكونوا ابدا ضمن مجالسها ولا من هيئاتها؛ ولا يتقاسمون حتى نفس الرؤية؛ مما عمق فارق الخروج عن الطاعة في بعض الأحزاب، بل إن بعضها الآخر تمرد على النظام الداخلي واختار مرشحه دون العودة إلى القيادة. ولعل حزبي السلطة سابقا، «الأفلان والارندي»، كانا الأكثر عرضة لذلك، فقد عرفا تكتلات داخلية، حيث لجأت القاعدة النضالية إلى مداومات تبون. مما جعل القواعد النضالية في مفترق الطرق مع مؤيدي الحراك؛ ويكفي مثالا على ذلك، قرار الأمين العام بالنيابة للأرندي عزالدين ميهوبي، إحالة أربع شخصيات قيادية على المجلس التأديبي لخروجها عن القرارات الملزمة بتأييد مرشح الحزب؛ ومساندة مرشحين آخرين. الأمر بالنسبة للأفلان لا يقل شأنا عن الأرندي فقد اختار أعضاء من اللجنة المركزية وكذا المكتب السياسي دعم تبون، دون العودة إلى قرارات الحزب الذي بقي إلى آخر لحظة دون الكشف عن موقف واضح، وهي الأساليب التي ألفها في المواعيد السابقة، لم يفصل في قراره، وبقي إلى الدقيقة الأخيرة. وبعد أن كان الوعاء الانتخابي للأفلان، الممثل لغالبية المجالس المنتخبة، وأول قوة في البرلمان يمتلك قوة التأثير، صار لا يستطيع العودة إلى قواعده النضالية لاتخاذ موقف ما من عدمه؛ وهو السبب الذي سيعجل بذهاب أمينه العام بالنيابة وهو الرابع في سجل الأمناء العامين للحزب في ظرف لا يقل عن ثلاث سنوات ويفتح أبواب الحزب على المجهول. نفس الأمر عرفته الأحزاب الأخرى ذات التوجه الإسلامي مثل «حمس، النهضة، تاج، الحرية والعدالة؛ البيان؛ جبهة التغيير، حيث بقيت هذه الأخيرة على عتبة واحدة من التحفظ في دعم المترشحين من عدمه؛ وأقصد دعم مترشح حركة البناء عبد القادر بن قرينة المناضل الشرس سابقا والغريم حاليا، والذي حل في المرتبة الثانية بعد تبون. وإن كانت قرارات منع المناضلين من المشاركة في الانتخابات وبعضها تحفظت على ذلك؛ فيما خرجت الغالبية للإدلاء، بصوتها في الاستحقاق الرئاسي، غير آبهة لكل القرارات الفوقية وإن كانت هذه الأحزاب جميعها خرجت من رحم حركة مجتمع السلم وزعماؤها أعضاء قياديون في حمس زمن الشيخ نحناح. والبناء في الصدارة اختارت القواعد النضالية من الأحزاب السالفة الذكر جبهة المستقبل؛طلائع الحريات وحركة البناء التخندق مع مرشحيها مانحة إياهم الدعم اللوجيستي والمعنوي منذ بداية الحملة إلى ساعة الإعلان عن النتائج النهائية. وسارعت الأحزاب المجهرية إلى بيانات التأييد والتخندق مع مرشحيها غير آبهة بقواعدها النضالية، فيما فضل البعض منها الخروج للعلن بعد قرارات مجالسها الوطنية الامتناع بدل الإيداع.