لم يسبق لي أن رأيت سمير إلا مرتين في السنوات الثلاث الأخيرة. أما من قبل فكنت التقيه كل حين، إذ كان أخا لأهم أصدقائي وزملائي في مرحلتي المتوسطة والثانوية... صدمتنا وفاته المفاجئة ! فالأعمار بيد الله لكن نحن تعودنا بأن لا نتوقع أن يموت شاب في مقتبل العمر بدون أن يشكو ألما أو صداعا في الرأس، أو بسبب حادث قاتل، ويبقى الموت لغزا محيرا، لا تحكمه قوانين الطب والعمر وإنما يحكمه نظام واحد: إذ جاء اجلهم لا يستقدمون ساعة ولا يستأخرون... في ذلك اليوم نهض باكرا وذهب إلى الجبانة... زار قبر أبيه وقرأ عنده الفاتحة وما يحفظ من سور قرآنية... أما في المساء فقد قضاه عند أخاه أيمن في دكانه يتحدثان، يثرثران ويتبادلان النكت... حتى أنه أغضب أصدقاءه لما رفض أن يرتاد معهم المقهى.... وفي صباح اليوم التالي زار طليقته وطلب منها أن تسامحه، وأن تؤمن بالقدر حلوه ومره ! فهو أحبها من قلبه وبكل جوارحه، وطاردها في الأزقة، وكتب لها الرسائل، وأزعجها بالمكالمات الهاتفية في الليل لكن قلبه خدعه، فالقلوب في بعض الأحيان تُخاتل أصحاب. وطلب منها أن تسمح له برؤية ابنته الصغيرة، فقضى معها نصف النهار... ذهبا إلى الحديقة فاشترى لها الحلوى ودمية جميلة... وأعطاها مبلغا من المال وترجى أمها أن تعتني بها جيدا... طلب من أمه أن تطبخ له أكلته المفضلة الخرشوف بالحمص... في الصباح الباكر سُمع عويل وصراخ قوي... تُوفي سمير....