الانتقال الطاقوي بمنظور صناعي تكنولوجي بعيدا عن الاستيراد يؤكد الخبير الدولي الطاقوي مراد برور، أن الجزائر مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بالدفاع عن أسواقها وسط التنافسية التي تفرضها السوق الغازية، لاسيما الأوروبية، نتيجة للمستجدات الاقتصادية والصحية التي حولت إليها منافسين آخرين، وذلك بالعمل على تواجدها في الأسواق الفورية من خلال استغلال إمكانياتها في إنتاج الغاز المسال خاصة وأنها تحظى بسمعة جيدة في هذا المجال. وعلى الجزائر، يقول المختص، الحفاظ على مركزها كمصدر من خلال التحول الطاقوي نحو الطاقات المتجددة وفق رؤية صناعية تكنولوجية بعيدا عن الاستيراد ومتابعة التطورات التكنولوجية المستقبلية التي ستجعل من الغاز الصخري مقبولا بيئيا. - «الشعب»: ما تقييمكم للوضع العام لسوق الغاز العالمي والتحديات الجديدة حاليا؟ الخبير الطاقوي مراد برور: تاريخيا، لم يكن هناك سوق عالمي للغاز والنفط، فالسوق العالمية تعنى أن الأسعار تتبع منطقًا مشتركًا يحدده ما نسميه الأساسيات، أي العرض والطلب والأسهم. ولحد الآن كانت هناك ثلاث أسواق إقليمية: السوق الأمريكية، التي تكاد تكون مكتفية ذاتيًا، والتي تتبع منطقًا قصير المدى، والسوق الأوروبية القارية، والسوق الآسيوية، ضعيفة الموارد وبعيدة عن مناطق الإنتاج وتتبع منطق طويل المدى، ففي هذه الأسواق، ولاسيما في أوروبا، تمت مبيعات الغاز بموجب عقود طويلة الأجل مع شرط «خذ أوادفع» أي - يدفع المشتري الكميات التعاقدية حتى لو لم يزلها- مما يسمح بتوزيع المخاطر بين البائع والمشتري. في هذه الأسواق، يتم ربط أسعار الغاز بأسعار النفط، والأمور تغيرت منذ عام 1995 في أوروبا حيث فرض الاتحاد الأوروبي تحريرًا لسوق الغاز مع إدخال المبيعات الفورية قصيرة الأجل. وفي الآونة الأخيرة بدأ ظهور لاعبين جدد، يتمتعون باحتياطيات قوية مثل قطر وتطوير الغاز الطبيعي المسال الذي يسمح بنقل الغاز عبر مسافات طويلة بالقوارب ما ساهم في تفكيك أسواق غازية كانت إقليمية حتى ذلك الحين لأقل من عقد من الزمان، رسخت ثورة النفط والغاز الصخري في الولاياتالمتحدةالولاياتالمتحدة كلاعب غاز قوي هاجم السوق الأوروبية. لذلك أصبح سوق الغاز الأوروبي شديد التنافس يميل إلى أن يحكمه منطق قصير الأجل، يمثل السوق الفوري 70 ٪ من المعاملات في هذا السوق، وهكذا فإن العقود طويلة الأجل التي تشكل أساس صادرات الغاز الجزائري قد عفا عنها الزمن، في حين أن عملاء سوناطراك فبالإضافة إلى مطالبتهم بالتخلي عن العقود الطويلة، وشرط «خذ أو ادفع» ومقارنة الأسعار، ناقلات النفط، فإنه في الوقت نفسه يتم غزو السوق الأوروبية من قبل موردين جدد كقطر التي تم رفع قدرات تسييلها إلى 100 مليون طن سنويًا) بينما القدرات الجزائرية 24 مليون طن، كما للولايات المتحدة 105 اتفاقيات نقل جوي مخططة، بالإضافة إلى شرق البحر الأبيض المتوسط ، والموردين الأفارقة كنيجيريا والموزمبيق وتنزانيا ما ضاعف الضغط التنافسي على السوق الأوروبية. وبالتالي فالغاز الطبيعي المسال فرض كسر حاجز المسافة في تجارة الغاز، دون أن ننسى الوجود القوي في أوروبا للغاز الروسي ذي الاحتياطيات الكبيرة، ومعروف أن روسيا براغماتية وتتكيف مع الوضع، لذلك يجب أن نكون يقظين ومهاجمين للدفاع عن مراكزنا في سوق أوروبية تنافسية بشكل متزايد مع منافسين أقوياء وعدوانيين. - ما تأثير فيروس كوفيد-19 على سوق الغاز على الأمدين القصير والمتوسط؟ يحافظ الطلب على الغاز بشكل عام على معدل نموه التاريخي، فمركز ثقل الطلب على الغاز يميل إلى التحول نحو آسيا وخاصة الصين، وتظهر الأرقام ذلك قبل الأزمة التي سببها الوباء، حيث كان النمو في استهلاك الغاز العالمي 2.5٪ سنويًا، فيما يبلغ نموالطلب الصيني 13.2٪ سنويًا، ونمو الطلب في آسيا والمحيط الهادئ 5.2٪ سنويًا، بينما يبلغ نمو الاستهلاك الأوروبي -1.3٪ سنويًا. وأدى الوباء والأزمة الناتجة إلى تفاقم الاتجاهات، حيث انهار الطلب الأوروبي وهو سوقنا الطبيعي، ونتيجة لذلك فإن منافسينا في السوق الأوروبية الذين لم يعد بإمكانهم العثور على مشترين في آسيا وأمريكا اللاتينية تحولوا إلى أوروبا ويهاجمون حصصنا في السوق. في الوقت نفسه انخفضت أسعار الغاز إلى مستويات غير معروفة حتى الآن، ولقد رأينا الغاز الأمريكي الذي تم بيعه ينافسنا في إسبانيا، وهي عميل تاريخي ل»سوناطراك». في هذا السياق يجب أن تكون سوناطراك واقعية ومرنة، ويجب أن تتكيف مع الظروف الجديدة وأن تكون موجودة في الأسواق الفورية أثناء البحث عن عملاء خارج أوروبا، ولحسن الحظ نجحت في تسوية خلافها مع الإسباني «ناتورجي» والحفاظ على مكانتها في السوق الإسبانية. وتتمتع الجزائر بإمكانيات عالية في احتياطيات الغاز، كما أنها مصدر موثوق ويحظى باحترام المشترين الذين لم يتعرضوا أبدا لانقطاع الإمدادات من الجزائر في كل الظروف، حتى خلال العقد الأسود، كما تتمتع بلادنا بخبرة فريدة في مجال الغاز الطبيعي المسال، حيث أنشئت أول مصنع في العالم في هذا المجال ب»أرزيو» بالجزائر. وبالتالي يجب علينا تعزيز تجربتنا وخبراتنا وصورتنا لتعزيز مكانتنا التنافسية ولسوء الحظ، أدى سوء الإدارة السابق للقطاع إلى تشويش صورة بلدنا، وإحباط شركائنا، وفوق كل شيء، أفرط في استغلال حقولنا التي على الرغم من إمكاناتها فهي تتراجع مما أدى إلى انخفاض صادراتنا. لذلك ليس لدينا كميات غاز كافية للدفاع عن حصتنا في السوق في أوروبا، لكن حقولنا لها إمكانات كما أشرنا إليه سابقا، وهي قادرة على استعادة الإنتاج، في حين تظل ديناميكية الطلب الداخلي مشكلة كبيرة حيث يتزايد بمعدل غير متحكم فيه إذ يبلغ سنويًا 8٪، ما يستدعي احتواء النمو في استهلاكنا للغاز، وإلا فإننا نجازف بالمساس بمركزنا كمصدر. - ما مصير الانتقال الطاقوي وآفاقه بالنسبة للجزائر وإمكانيات تجسيده في الظروف الراهنة؟ بالفعل يجب أن ننتقل إلى الطاقات المتجددة وأن ننخرط بقوة في التحول الطاقوي، فالجزائر تتمتع بأشعة شمس استثنائية ما يعادل 3500 ساعة في السنة في الجنوب، أو86٪ من التراب الوطني، و2650 ساعة في الشمال، بحيث يمكن أن ينتج كل كيلومتر مربع من الأراضي الوطنية 2000 كيلوواط ساعة. في المقابل نحتاج أيضًا إلى توفير الطاقة لأن استهلاكنا للطاقة مفرط، فالفعالية أو الكفاءة الطاقوية لدينا تتمثل في استهلاك الطاقة لإنتاج وحدة من الناتج المحلي الإجمالي، ووحدة من الثروة وهي ضعف تلك الموجودة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وهو أمر غير مقبول وغير مستدام بمرور الوقت. فتحول الطاقة يجب أن يكون قبل كل شيء طموحا صناعيا وتكنولوجيا، بقيادة رائدة قد تكون سوناطراك، كما يجب على الجامعات أن تعزز أبحاثنا وأعمالنا، لأن الانخراط في الطاقة الشمسية لا يعني استيراد تركيبات الطاقة الشمسية الجاهزة. - كيف يمكن تطوير وحفظ الموارد الغازية مع مراعاة الجانب البيئي؟ أتخيل أنك تفكرين في الغاز الصخري، إذ يجب أن نكون واضحين بشأن هذا، أنا مع حماية البيئة، لكن يجب أن نعلم أن المهندسين والمديرين التنفيذيين والمديرين في سوناطراك هم وطنيون ويدافعون عن المصلحة الوطنية والحفاظ على البيئة، وهو أمر يجب أن يقال ونؤكد عليه. والحقيقة الثانية أنه لدينا ثالث أكبر احتياطي للغاز الصخري في العالم، ما يجعل طلبنا الغازي ينفجر كما رأينا، فالغاز هو الطريقة الوحيدة تقريبًا لإنتاج الكهرباء في الجزائر، وما يجب القيام به هو التفكير في موازين الطاقة طويلة المدى لبلدنا الشاسعة، والتي ستتطلب بنية تحتية كبيرة للسكك الحديدية للوصول إلى الجنوب الكبير، والمدن الكبيرة فيه، فهي صناعة تستهلك الكثير من الكهرباء. كما يجب علينا تطوير مصادر الطاقة المتجددة التي لها نقطة ضعف وهي انقطاعها في الليل حيث لا توجد شمس من خلال تخزين الكهرباء وهي عملية مكلفة، أو توليد الكهرباء في الليل بالغاز، لذلك سنحتاج إلى الكثير من الغاز الذي يمكن أن يكون أيضًا مادة خام للبتروكيماويات، في المقابل يجب تطوير حقولنا الحالية والبحث عن احتياطيات جديدة من الغاز التقليدي. ويعتبر الغاز الصخري نقطة قوة لبلدنا إذا اعتبرناه طاقة الغد، ففي غضون 10 أو15 عاما على الأكثر، ستكون التكنولوجيا التي ستحمي البيئة موجودة، لذا يجب أن تكون سوناطراك نشطة للغاية في هذا الصدد، سواء فيما تعلق بتقييم موارد الغاز الصخري لدينا والبقاء في حالة مراقبة تكنولوجية نشطة لمتابعة التقدم التقني وإشراك جامعاتنا وأبحاثنا وشركاتنا في التي ستجعل الغاز الصخري المقبول بيئيًا. وفي هذا المجال لدينا آفاق طويل الأجل، أما في الأمدين القصير والمتوسط يجب تطوير حقولنا الحالية وتكثيف جهود استكشاف الغاز التقليدية وهو جهد تدعمه سوناطراك حاليا.