رائعة «كان في عمري عشرين» خالدة نقف بعد غد السبت على الذكرى 15 لوفاة عندليب أغنية الشعبي الجزائرية الحاج الهاشمي قروابي، المعروف بوسامته وصوته الشجي المزيّن ببحة استدرجت العديد من محبي فنه وأدائه، والإرث الذي تركه مرصّعا على جبين الأغنية الجزائرية بروائع فنية لا زالت تُستحضر بكل شغف في العديد من المناسبات والمهرجانات والقعدات الفنية الثقافية التي يحفظها عشاقه سواء داخل الوطن وخارجه، لاسيما دول المغرب العربي عن ظهر قلب، كما بات رصيده الفني مرجعا للكثير من الفنانين الجزائريين والعرب. من منا لم يتذوّق فنّه؟ ومن منا من لم يحفظ أغانيه؟ومن منا من لم يسكن طيف كلماته تلك اللحظات الهاربة من أعمارنا بعد أن تخطينا سن العشرين؟ ومن منا من لم يتخيل حواره مع الورقة يشكي لها حاله؟ ومن منا من لم يخطئ يوما في إسناد اسمه الخالد في سماء الأغنية الشعبية الجزائرية على كل من الروائع الآتية: أنا لي لهوا داني، حكمت، الله يرحمو لحراز، ساقي باقي، الحراز، قولوا للناس، آلو آلو، كيفاش حيلتي، دعني يانديم، يا لورقة، أجيني نسبلك، واش داني، صبيات زوج، روح الله يسهل،الماضي راني غلقت بابو وقضيت عليه، لياصما وشرع الله يا لحباب، كول نور، جيب راسك ليا،هاجو لفكار، زين يالزين، سير ياناكر لحسان، خليتني مهموم؟ تعريف.. وبصمات ولد الهاشمي القروابي في 6 جانفي 1938، لأب من سور الغزلان وأم من تيزي وزو، نشأ وترعرع في ديار البابور في بلوزداد (بلكورسابقًا)، لقب ب»العندليب»، هو أحد الأسماء الكبيرة في فن الغناء الشعبي الموسيقي المعروف بقصائده المسجوعة وباستخباراته الممدودة وهي عبارة عن مواويل يستهل بها أي أغنية وغالبا ما تكون كلمات «الاستخبار» ، خلال رحلته، غنى الهاشمي القروابي جميع المواضيع تقريبًا: الحب والبؤس والنفي والصداقة والدين والنبي والشباب، كما غنى لفريقه المفضل إتحاد العاصمة، لاسيما ما خلفه من أغان للوطن الأم الجزائر، مازالت شعبيته قوية كما كانت دائمًا وبنفس الشغف تماما كما كان على قيد الحياة. من كرة القدم إلى الغناء كان الفنان الراحل الحاج الهاشمي قروابي شغوفًا بكرة القدم، لعب موسمه الكروي الأخير في 1951-52 كجناح أيمن، لكنه كان مهتم بشكل خاص بالموسيقى في بداية الخمسينيات من القرن الماضي.. ومراجعه كانت من تأليف الحاج مريزق ومحمد زربوط. في قاعة الموسيقى العربي نال جائزتين ثم التحق بأوبرا الجزائر في 1953 و1954 حيث غنى مقرونة لحواجب. تميز الهاشمي القروابي، في الواقع بصوت فريد للغاية، صوت عميق، ذو شدة عاطفية نادرة جعلته مغنيًا بأسلوب لا يضاهى، صوت رقيق، ساحر، أصبح رمزًا لأسلوب كامل، يسمى «حشماوي». محبوب باتي.. وشهرة ڤروابي بدأ القروابي الذي يعتبر من أبرز مغني موسيقى الشعبي ذات الأصول الأندلسية مشواره عام 1950 وأخذ يتردّد اسمه اعتبارا من 1954 بعد أن غنى مرارا في المسرح الوطني بالعاصمة الجزائرية وشارك في مسرحيات غنائية وأوبرات، وبفضل عبقرية الملحن محبوب باتي، ذاع صيته واشتهر اسم الهاشمي قروابي، واستطاع بحنكته أن يُحوّل شهرة قروابي رمزا لسعادة عشاق الموسيقى والفن الشعبي الجزائري، اعتمد آنذاك على أغان جديدة كتبها وأبدع في ألحانها الرائع المذكور آنفا محبوب باتي مثل البارح، يا الورقة، كما اشتهر بتفسيراته لقصائد الملحون مثل يوم الجمعة وكول نور والحراز. استحدث نوعا مميزا في طابع الغناء بعد الاستقلال عام 1962، كان الحاج الهاشمي قروابي أحد تلامذة الحاج محمد العنقى عميد هذا النوع من الموسيقي، قبل أن يدخل عليه آلات غير معهودة في فنه وأغاني خفيفة خرجت عن القصائد الطويلة المعهودة، وفي تلك الفترة لم تكن ملامح الأغنية الشعبية مكتملة بعد، وعليه كانت مجبرة على مواجهة غزو الأغاني الغربية والشرقية المصرية، وبالتالي كان لابد من إيجاد مكان للنوع الجزائري ولم يكن الشعبي في ذلك الوقت قويًا بما يكفي لأنه كان قائمًا على نصوص عفا عليها الزمن وكان جمهوره مقصورًا على احتفالات لعائلات الجزائر العاصمة. كان يتنفس الجزائر في غربته واشتهر خلال السبعينيات بأغنية «البارح كان عمري عشرين» و»آلو، آلو» التي تغنى فيها باسم المغتربين بكافة أحياء العاصمة خاصة حارة صباه «القصبة» وغيرها من الأغاني الخفيفة التي لقيت رواجا كبيرا،لكنه سرعان ما عاد إلى القصائد العريقة المقتبسة عن التراث المغاربي مثل «يوم الجمعة خرجوا الريام» و»الحراز» و»كيف أعمالي وحيلتي»، وأجمل هدية قدمها للوطن الأم أثناء غربته هي أغنية آلو آلو، التي يحفظها الكبير والصغير، والدليل على هذا، هو دندنة القارئ وهو يلحن مايلي: قلبي من كل هوى وعقلي صار شتات وغصاني من فراق لحباب ذبالوا غابوا عني ولا خبر عنهم يثبات يا من درى كيف نسال اللي سالوا نساو خيال وجيد وهيهات وستكفاو بحب غيري وما قالوا وإلا على العهد والمحبة لا زالوا وحداني غريب.. أنا عايش وحداني غريب يا هاتف ليك العنوان كلملي الوطن الحبيب الجزائر زينة البلدان ألو ألو ... من فضلك كلميلي القصبة ألو ألو ... واش حالك يا حومة بابا ألو ألو واش راهي بحذاك القبة واش راهو حال وليد فلان قوليلو راني في غربة من وحشو شعلت نيران مرجع للكثير من الفنانين الجزائريين والعرب عاش قروابي بضعة أعوام في فرنسا يغني بين المغتربين الجزائريين هناك قبل أن يعود إلى الجزائر ليغادرها مجددا اعتبارا من نهاية الثمانينيات، وفي 4 جويلية 2005، أحيا حفلا موسيقيا أخيرا دام أكثر من ثلاث ساعات في الجزائر العاصمة. خلّف قروابي رصيدا فنيا قيما صار مرجعا للكثير من الفنانين الجزائريين والعرب، وعلى رأسهم الفنان المصري محمد منير الذي أعاد مؤخرا أغنية «كان في عمري عشرين». يموت العندليب.. ويبقى الأثر غيّب الموت الهاشمي القروابي عميد موسيقى الشعبي الجزائرية في 17 جويلية 2006، في الجزائر بزرالدة عن عمر يناهز 70 عاما، ليوارى جثمانه في مقبرة المدنية، بعد أن دخل في غيبوبة عميقة، إثر إصابته بأزمة قلبية بعد أن كان يعاني من مرض عضال منذ ما يقارب السنة.