وأنا أطوف بالأسواق لشراء لعبة لابنتي الصغيرة، وأخرى لأخيها الذي يكبرها بسنتين، وبين زحمة الناس وكثرة اللًعب وأشكالها، وتنوع ألوانها البراقة الجميلة فمنها ما له شاشة ومنها ماله عجلات ... وغيرها وغيرها، هذا يريد دمية ناطقة لإبنته التي نجحت في الإمتحان وذلك يريد سيارة لحفيده ليهديها له عند الختان وآخر يريد لعبة إلكترونية لتثقيف أبنائه في عطلة الصيف التي فاجئتنا بقدومها باكرا هذا العام وخاصة بمدائن الزيبان، وسيدة تريد لعبا لأبنائها تصلح لشاطئ البحر عند الذهاب إلى شواطئ روسيكادا الجميلة أو شواطئ تلمسان أوبجاية الناصرية ... ضجيج يعم المكان، وصاحب المحل فرح والناس يتهافتون والبلاستيك سيد المجلس والمكان ومصانع الصين البعيدة هي من تقذف لنا كل شيء ونحن نفتح بيوتنا وفضاءنا وحتى عقولنا وأفكارنا بكل أريحية، حتى أطفالنا وعلى براءتهم لم ينجوا من الموجة العارمة التي تكتسح العالم لتقضي على ماتبقى في مخيخ أصغرنا وأكبرنا من نير الأفكار...وبينما أنا أصول وأجول بين رفوف اللًعب جال بخاطري ما ربانا عليه آباؤنا وأجدادنا، فرغم العوز الشديد والفقر اللًعين اللًذيذ، إلا أن أطفالنا كانوا سعداء، لعبهم تشكلها عناصر الطبيعة من فضلات عراجين التمر وجذوع الأشجار وبقايا عظام الحيوانات وعلب السردين ومن تربة أرضنا الطاهرة الجميلة ومن حجارة وادي سيدي زرزور الرائعة الجميلة حيث كان السيق والكريدة سيدا المجالس وكان حمة طق ولمن هذا الجدار ...كانت لعبة المنديل ولعبة ركوب الحصان والقط والفأر تحرك فكرنا... إنهمرت دموعي وأنا أتذكر تلك اللّعبة التي كنت أمارسها وأنا طفل صغير حافي القدمين لايغطي جسمي سوى تبان تم قصه من سروال جينز قديم هي لعبة على بساطتها دامت قرابة نصف قرن من الزمان، صنعت من بقايا عجلة دراجة قديمة كان لها صوت دوى الحواري والساحات، فرغم العوز والفاقة وقلة الحيلة، كانت لعبنا مسلية وجميلة، وكانت السعادة تغمر قلوبنا، وكنا نصحو على صياح الديكة ونقيق الضفادع ونباح الكلاب وهواء قريتنا العليل يلفح وجوهنا الندية لنذهب إلى مدارسنا بقلوب بيضاء لاحقد فيها وسرائر طيبة، وكان معلمونا يفخرون بنا وبنتائج إمتحاناتنا وكانت المدارس تتنافس فيما بينها بالنتائج والمعلومات وكانت ماما نجوى وحديدوان وماما مسعودة يطوفون البلاد بحديقة ساحرة تسحر الألباب، وكان الكبار من آباء وأمهات يراقبون فرحتنا وقلوبهم عامرة بالحب والسًعادة لاتشوبها شائبة ليشهدوا على عبقرية جيل عاش السًعادة ببساطة الأشياء كانت حينها شواطئنا نظيفة ومدننا ساحرة وقرانا على فقرها تأسر القلوب، ننام بقلوب راضية رغم الجوع والعوز وماكانت الدنيا تغري كبارنا ولاصغارنا... إستفقت من حلمي الطويل على أصوات الزبائن وبائع اللًعب شبه حزين كأنه أحسً مثلي أن جيلا مر من هنا لايمكنه أبدا أن يعود أما أنا فعدت إلى البيت وتفقدت بقايا دراجتي لأصنع لعبتي التي أعادت لي أملا في الحياة وسعادة ولو للحظات...