أي أزمة دولية من الآن فصاعدا، تثير في الحكومات هاجس الأمن الغذائي، ليس فقط من حيث المخزون الإستراتيجي، بل من حيث أولويات الأمن الغذائي، وضرورة تنويع مصادره، حتى لا تكون ضحية المصدر الواحد.. والرؤية بعين واحدة! الأزمة الروسية الأوكرانية، تذكر العالم كل يوم، أن الاكتفاء الذاتي في كل شيء حُلمٌ كبيرٌ وصعبُ التحقيق (إن لم يكن مستحيلا)، في زمن التبعية الاقتصادية المتبادلة، وهي تبعية سقّفت مستويات معينة من تأمين الغذاء، في الظروف العاجلة، ب6 أشهر، وفي هذه تستوي الولاياتالمتحدة مع كندا واليابان والصين وروسيا وفرنسا، وكل دولة لديها القدرة على تخزين الحاجيات الضرورية من غذاء وطاقة، وليس كل دولة لديها المال بالضرورة.. الأمن الغذائي، اليوم، يأخذ طابعا مختلفا عن الصيغة التي عُرف بها حتى وقت قريب، طالما أن المتغيرات الدولية ومستجداتها دفعت دولا كثيرة إلى مراجعة نظرتها للأمن الغذائي، قبل التفكير في تغيير سياساتها في هذا المجال، وفق نقاط الضعف العاكفة على جردها، خصوصا ما تعلق بتبعيتها للخارج، وتفاديها مستقبلا، ما أمكن ذلك، وفي أسرع وقت، وهو رهان تشتغل عليه أوروبا وقوى دولية أخرى، حذرة من السيناريوهات الناتجة عن الأزمة الروسية- الأوكرانية، وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، وعلى تكافل الدول في قضايا بعينها، في حالة الحرب، وقضايا أخرى رهينة بحالة السلم. في الجزائر، المتعودة على مخزونات لشهرين وثلاثة أشهر، وأحيانا ستة أشهر، وتسعة أشهر، حسب الحالات والمواد والظروف، يبقى تشجيع الإكتفاء الذاتي في المحاصيل الزراعية الاستراتيجية أولوية الأولويات، والنزوع نحو الاستثمار في المنتجات الجاري تجريبها في معاقل الإنتاج الفلاحي، مثل الوادي وبسكرة والمنيعة، بهدف تنويع إنتاجها وتوسيع رقعته.. هدفا وطنيا تطالب به الحكومة واتحاد الفلاحين وكل من له غيره على «درناها جزائرية»، ليس من باب التفاخر، بل من باب آكل ما أنتج وألبس ما أخيط، وأتطلع على اليوم الذي أرى فيه الأفكار العبقرية تتجسد في بلاد الأمير عبد القادر، متى توفرت لها الظروف..