بدا واضحا من آخر الأرقام الرسمية التي كشفت عنها الجمارك، أن موضع النزيف في الاقتصاد الوطني يكمن في فاتورة الواردات، حيث تجاوزت خلال 11 شهرا، هذه السنة، حاجز ال 50 مليار دولار مع توقعات ببلوغها 60 مليار دولار نهاية السنة الجارية. ولعل تراجع مداخيل المحروقات في النصف الثاني من هذه السنة بنسبة تجاوزت ال50 بالمئة، أشعل النقاش مجددا حول ضرورة إيجاد بدائل لتمويل الاقتصاد الوطني. ويرى الخبير في التنمية الزراعية، آكلي موسوني، أن الجزائر تملك مقومات تجعلها تتجاوز تبعية المحروقات، إن استغلت كما ينبغي، فمن غير المعقول حسب المتحدث أن تستورد الجزائر 11 مليار دولار قيمة الغذاء الذي تشتريه، وهي قيمة تعادل ثلث ما تستورده إفريقيا بأكملها، رغم أن القارة السوداء أكثر القارات تبعية للخارج في استيراد المواد الغذائية. كما تشير الأرقام التي أدلى بها موسوني، الذي يشتغل مستشار اقتصاد لدى عدد من الهيئات الدولية، إلى أن واردات الجزائر من المواد الغذائية تشكل 26 بالمئة من مجمل واردات كل دول المجموعة المتوسطية، وهي أرقام تدل على هشاشة الواقع الاقتصادي أرجعها الخبير إلى فوضى الاستيراد، حيث تستورد الجزائر 11 مليار دولار من المواد الغذائية. في حين تخصص 500 مليون دولار فقط لاستيراد التجهيزات الفلاحية، وهو ما يدل على غياب سياسة لرفع القدرات الإنتاجية في وقت يرتبط مصير بطون الجزائريين أكثر فأكثر بمعدل ارتفاع في فاتورة الغذاء بلغ مليار دولار كل سنة. كما انتقد موسوني خلال ندوة اقتصادية حول الإستيراد في الجزائر، نظمت امس بمقر الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، المخططات السنوية لوزارة الفلاحة، مطالبا بإعادة هيكلة هذ الوزارة التي تعلق عليها آمال الجزائريين في حالة نضوب مداخيل النفط، حيث تضع اللجان الاستشرافية على مستواها أهدافا غير واقعية وغير قابلة للتطبيق أصلا، فإن أخذت على محمل الجد طموحات الوزارة في بلوغ 47 بالمئة من إنتاج القمح اللين و68 بالمئة من إنتاج القمح الصلب و54 بالمئة من إنتاج الباقوليات، سنتخلص من التبعية للخارج ونحقق الاكتفاء الذاتي، وهو ما يضل بعيدا عن أرض الواقع. وحسب موسوني، فإن مشكلة الجزائر تكمن في أن اقتصادها مرتبط بالتبعية لأسعار المحروقات. فيما تشتغل تقريبا كل اليد العاملة الناشطة في القطاع الحكومي بطريقة مباشرة أو غير مباشرة عند الخواص الذين يمولون انشطتهم عبر الدعم الحكومي. وختم المتحدث بالدعوة إلى ضرورة وضع إطار سياسي لحماية الأمن الغذائي للجزائري ينبثق عنه برنامج يجعل من الفلاحة أولى اهتماماته. من جهتة، دعا الخبير الاقتصادي محمد حميدوش إلى انشاء مجلس وطني للتجارة الخارجية، على غرار فرنسا مثلا لتسيير وتمويل التجارة الخارجية وتفادي ضياع رؤوس الأموال في استيراد سلع قد تضر بأخرى منتجة محليا. فيما أكد الناطق الرسمي باسم اتحاد التجار والحرفيين الجزائريين أن حوالي ثلث ما تستورده الجزائر من مواد الكماليات أو من سلع يقل الطلب عليها محليا، وهو ما يفسر آلاف الأطنان من السلع الجديدة التي تلقى في المفرغات يوميا.