عندما ترعدُ الفلاحة ولا تُمطر، فذلك يعني وجود خلل ما في مكان ما من سلسلة صناعة الغذاء وتأمينه، ومؤشر على وجود مشكلة في استشراف المستقبل وأدوات بلوغه، ووجود معضلة في «من يخدم الأرض».. القدرة على التنبؤ بالأمطار قدرة جميلة لا نفع منها في عالم الفلاح ما لم تقترن بالقدرة على رؤية ما يمكن للأرض أن تقدمه متى حضر الماء، وقدرة من يخدمها على إطالة عمر الاستثمار في الإنتاج الغذائي، بعيدا عن عقلية المحاسب الذي يكلمك عن «الاستثمار» من جانب واحد؛ جانب كم يقبض، لا كم يستثمر؛ بمعنى كم يصرف.. وهي قدرة لصيقة، عند القوم «الذين سبقونا بالعلم»، على رأي المرحوم محمد بوضياف، ب «توطين» الإنتاج حسب المنطقة وخصوصية الأرض، والتخصص، الذي يضمن تنافسية أكبر، متى كانت قواعد اللعبة الإنتاجية والتسويقية واحدة، تتحكم فيها عوامل الإنتاج ومخرجاته، لا هواتف مضاربين وبطون مخازن، لا همّ لها غير إشباع شبقية المال وشهوة التحكم في كل ما تطاله أيدي العابثين بالأمن الغذائي.. صحيح أن الفلاح الجزائري، خصوصا من يغامرون بالإنتاج في المساحات الكبرى بالصحراء، بدأوا يتحكمون في كميات الإنتاج بطريقة توصل إلى الاكتفاء الذاتي، لكنهم غير مسنودين بمن يكمل مهمة تأمين الغذاء من مخاطر المضاربة وإفساد مخططات الاكتفاء الذاتي التي باتت جزءا من ذهنية المنتجين، بمن فيهم من لم يدخل المدرسة أصلا، وهذا في حد ذاته إنجاز ينبغي التأكيد عليه، من باب قل للمحسن أحسنت، ولا تكتم شهادة تزرع البسمة على شفاه من يجاهدون في القر والحر، من أجل ثوم بسعر معقول، وبطاطا بسعر أقل مما تطالب به مخازن العابثين بمستقبل البطون.. السند المطلوب في هذه الحالة، هو ما تسعى إليه إرادات خيّرة، في نشر ثقافة الاستثمار في الصناعات التحويلية، التي بإمكانها تحييد طفيليات فائض الإنتاج من السوق، والضرب على أيدي المسارعين الى «ابتلاع» كميات كبيرة بغرض المضاربة، بمن فيهم منأ عن فتوى صحة الصوم بالجنابة، ومخازنهم مليئة ببضائع مفقودة في السوق..