أدلى التونسيون، أمس، بأصواتهم في استفتاء على الدستور الجديد الذي يعوّل عليه لتعزيز الديمقراطية وحماية الإنجازات التي حقّقتها الثورة التونسية التي قادت قاطرة التغيير في الوطن العربي قبل عشر سنوات. التصويت تزامن مع مرور عام على الإجراءات التي أقرّها الرئيس قيس سعيّد لإنقاذ البلاد من أزمة سياسية خانقة، حيث حلّ البرلمان وأقال رئيس الحكومة وقرّر وضع دستور جديد يسدّ الفجوات التي ظهرت على دستور 2014، وتنظيم انتخابات تشريعية في الخريف القادم. إقبال التونسيين على مراكز الإقتراع، أمس، كان مدفوعا برغبة جامحة في إنقاذ تونس من الانهيار وتحريرها من الفساد والفشل، لبناء دولة تقوم على الأهداف التي ضحى من أجلها البوعزيزي وغيره ممن كانوا وقودا لثورة الياسمين. جمهورية تقوم على القانون وقد أدلى الرئيس التونسي بصوته في مركز اقتراع في حي النصر بالعاصمة تونس. وقال في تصريحات للإعلاميين عقب ذلك، «إن الدستور الجديد يؤسس لدولة القانون ولجمهورية جديدة تقطع مع الماضي، مشيرا إلى أنه يكرس لسيادة الشعب ويضمن التعددية السياسية والحزبية في البلاد». وأضاف «سنؤسس إن شاء الله لجمهورية جديدة في تاريخ يوم إعلان عيد الجمهورية، وهي مختلفة عن الجمهورية التي كانت سائدة خلال العقد الماضي، والتي كانت جمهورية بالظاهر فقط. نحن نريد أن نؤسس لدولة ولمجتمع يقومان على القانون، حيث يشعر المواطن أنه هو الذي وضع القانون فيسعى إلى فرض تطبيقه من قبل من هو مخول بذلك». وأشار سعيد إلى أن مشروع الدستور الجديد يمكن الشعب من سحب الوكالة من النواب. كما أشار إلى المجلس الوطني للأقاليم والجهات (الغرفة الثانية في البرلمان وفق الدستور الجديد)، يمكّن المهمّشين من المشاركة في صنع القرار. كما نفى سعي الدستور الجديد لتكريس النظام الرئاسي البحت (الرئاسوي كما تصفه المعارضة)، وأوضح بقوله: «هم لا يعرفون التفريق بين السلطات، فنحن لسنا أمام نظام رئاسي، بل فيه بعض تقنيات النظام البرلماني، فالحكومة مسؤولة أمام البرلمان. كما أن النظام لا يقاس فقط بالتفريق بين السلطات بل بالتعددية السياسية والحزبية». واعتبر سعيّد أن الاستفتاء سيكون مرحلة مهمة وقال «سنبدأ تاريخا جديدا». مؤكدا «لن نترك تونس فريسة لمن يتربص بها في الداخل والخارج». وأشاد بخطواته باعتبارها أساسا لجمهورية تونسية جديدة لإعادة الثورة إلى مسارها وإنهاء سنوات من التصلب السياسي والركود الاقتصادي. المعارضة فشلت لكن على الرغم من إدانة الكثير من الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لخطوة الرئيس التونسي في تغيير الدستور، فقد فشلت في بناء جبهة موحدة. وتجلى الشقاق في الاحتجاجات ضد سعيد في الأيام الأخيرة. ولم يشارك في الاحتجاجات سوى أعداد قليلة، حيث تجلى واضحا أن التونسيين لا يبالون بالتجاذبات السياسية وكلّ همّهم تحقيق الإصلاح والتغيير الذي يساعدهم على تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تؤثر على مستواهم المعيشي، والتراجع الاقتصادي منذ عام 2011 جعل كثيرين يشعرون بغضب من الأحزاب التي تحكم البلاد منذ الثورة. وقال محمد وهو من سكان طرابلس، «سأصوت بنعم في الاستفتاء، لأن من يحتجون على سعيّد هم السبب الرئيسي لمشاكلنا على مدى العقد الماضي». هذا، ولا تلزم نتيجة الاستفتاء، حتى وإن كانت متدنية، الرئيس بالتراجع عن مشروع الدستور الذي لم يحدد عتبة مشاركة معينة لتمريره. وأشارت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات إلى أن أكثر من تسعة ملايين ناخب سيشاركون في التصويت الذي خصصت له 11614 مكتب اقتراع و4834 مركز اقتراع داخل البلاد وخارجها. وشاركت وحدات عسكرية من مختلف الجيوش والأجهزة الأمنية، في مهمة تأمين مختلف مراحل الاستفتاء على الدستور. واتخذت وزارة الدفاع مجموعة من الإجراءات، بالتنسيق مع وزارة الداخلية، لتركيز تشكيلات عسكرية لدعم الوحدات الأمنية في تأمين المخازن والهيئات الفرعية للانتخابات ومراكز التجميع والتصريح بالنتائج وأكثر من 4500 مركز اقتراع. ووفق تقارير إعلامية محلية، أُعطيت الوحدات العسكرية «تعليمات بالتقيد التام بالمهمة والالتزام بالحياد وعدم التدخل في المسائل التنظيمية أو الإشكاليات التي قد تحدث داخل المراكز والتي تبقى من المهام الحصرية لممثلي الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وقوات الأمن الداخلي». وسيتم اعتماد الدستور الجديد، بمجرد فوزه بأغلبية الأصوات المصرح بها. أهم بنود الدستور الجديد يتضمّن الدستور التونسي الجديد، 142 فصلا و11 بابا. ينصّ الفصل الأول على «تونس دولة حرة مستقلّة ذات سياد». ويفوّض «الشعب صاحب السيادة الوظيفة التشريعية لمجلسين نيابيين هما: مجلس نواب الشعب، والوطني للجهات والأقاليم». تضمنت النسخة تعديلا شمل عدّة فصول، من بينها الفصل الخامس الذي أثار الجدل والمتعلق بمقاصد الإسلام، ونصّ الفصل المُعدل على أنّ «تونس جزء من الأمّة الإسلامية، وعلى الدولة وحدها أن تعمل، في ظلّ نظام ديمقراطي، على تحقيق مقاصد الإسلام الحنيف في الحفاظ على النّفس والعرض والمال والدين والحرية». ومن بين الفصول التي أثارت جدلاً أيضا، الفصل المتعلق بالحقوق والحريات، والذي طرأ عليه بدوره تعديل، حيث نصت النسخة المعدلة على أنه لا توضع قيود على الحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور إلا بمقتضى قانون ولضرورة يقتضيها نظام ديمقراطي وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العمومية. وبخصوص الفصل المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية، نصت النسخة المعدلة على أن رئيس الجمهورية ينتخب لمدة خمسة أعوام انتخابا عاما حرا مباشرا سريا خلال الأشهر الثّلاثة الأخيرة من المدة الرئاسية وبالأغلبية المطلقة للأصوات المصرح بها. يشترط أن يُزكِي المترشح أو المترشحة عدد من أعضاء المجالس النيابية المنتخبة أو من النّاخبين وفق ما يضبطه القانون الانتخابي. وفي صورة عدم حصول أي من المترشحين على الأغلبية المطلقة في الدورة الأولى، تنظّم دورة ثانية خلال الأسبوعين التّاليين للإعلان عن النّتائج النّهائية للدورة الأولى، ويتقدم للدورة الثّانية المترشحان المحرزان على أكثر عدد من الأصوات في الدورة الأولى. وإذا تعذّر إجراء الانتخابات في الميعاد المحدد بسبب حرب أو خطر داهم، فإن المدة الرئاسية تمدد بقانون إلى حين زوال الأسباب التي أدت إلى تأجيلها. ولا يجوز تولي رئاسة الجمهورية لأكثر من دورتين كاملتين متّصلتين أو منفصلتين. وفي حالة الاستقالة، تُعتبر المدة الرئاسية كاملة. كما تمت إضافة فصل ينص على أن التونسية لها الحق في الترشح لرئاسة الجمهورية.