إصلاحات حوّلت المكتسبات العلمية إلى مؤسّسات إبداعية تحقيق الاكتفاء التكنولوجي يعني قدرة الدولة على تطوير وإنتاج التكنولوجيا والابتكارات اللازمة لتلبية احتياجاتها المختلفة، دون الاعتماد المطلق على واردات التكنولوجيا من الخارج، الأمر الذي يقع جزءا كبيرا من مسؤوليته على قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، حيث يلعب هذا الأخير دورًا هامًا من خلال تقديم برامج بحثية وتعليمية مبتكرة، تعزز قدرات الطلاب والباحثين على تطوير التكنولوجيا والابتكارات المحلية، ومن خلاله تعمل الجامعات على نقل المعرفة وتشجيع البحث والتطوير في مجموعة متنوعة من المجالات التكنولوجية، لدعم تطلعات الدولة في تحقيق الاكتفاء التكنولوجي. قال عميد كلية العلوم الاقتصادية لجامعة معسكر، البروفيسور فوزي تشيكو، إنّ الإصلاحات الجامعية التي بادرت بها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، تجسيدا لرؤية رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، هي إصلاحات مهمة وضرورية للّحاق بالركب العالمي، مؤكّدا أنّ الجامعة الجزائرية لابد أن تواكب التّطوّرات التي تسود العالم، وتجد مكانتها بين الجامعات الكبرى. وأشار البروفيسور فوزي تشيكو، إلى أنّ الإصلاحات المعلن عنها من شأنها أن ترفع مستوى أداء الجامعة الجزائرية، وتسهّل ولوجها في التطور التكنولوجي واللحاق بالركب العلمي والتقدمي، بداية من قرار التدريس باللغة الانجليزية، الذي يراه المتحدث ضروريا من أجل المساعدة على مرئية الجامعة الجزائرية في المحافل العلمية الدولية، من خلال الأساتذة والباحثين الذين يشاركون في الملتقيات العلمية، ويساهمون بنشر مقالات وبحوث جادة في المجلات العلمية المتخصصة، دون إغفال أنّ أغلب البحوث والدراسات العلمية تتم بصفة كثيفة باللغتين العربية والفرنسية، زيادة على ذلك فالتدريس باللغة الانجليزية حسب البروفيسور تشيكو، أكثر فعالية بما أن اللغة الإنجليزية هي لغة العالم والعلوم التكنولوجية.
الرّقمنة تعزّز كفاءة البحث العلمي وجودة التّعليم أشار تشيكو فوزي إلى أن الرقمنة كشكل من أشكال الإصلاح المكثف الذي عرفه قطاع البحث العلمي في الجزائر، موضّحا أنّ الرقمنة تعزّز من كفاءة البحث العلمي وجودة التعليم في الجامعات من خلال توفير وسائل تكنولوجية تعزز التواصل والوصول إلى المعرفة بشكل أسرع وأفضل، مضيفا أنّ الرقمنة أصبحت أمرًا حيويًا في مجال البحث العلمي والتدريس في الجامعات، لمساهمتها في تحسين عمليات البحث والتدريس بطرق عديدة، حيث تمكن الباحثين من الوصول إلى مصادر متعدّدة وتوفير الوقت والجهد، وتسهم أيضًا في تسجيل وتوثيق النتائج والمعلومات بشكل دقيق، ممّا يزيد من شفافية ومصداقية الأبحاث، كما تمكّن الأساتذة من تطبيق طرق تعليمية مبتكرة وتفاعلية، مما يعزز من تجربة التعلم للطلاب، من خلال ما تتيحه الموارد الرقمية مثل الدروس المسجلة والمحتوى التفاعلي لتوفير مواد تعليمية متنوّعة وسهلة الوصول. وأضاف المتحدّث أنّ الجامعة الجزائرية تنضخ بمورد بشري هائل ونخبة متميزة، يمكن أن تشارك في تطوير الاقتصاد الجزائري، وفي إظهار المؤهلات التكنولوجية الهائلة، التي يمكن أن تنتجها الجامعة الجزائرية، موضحا أن الإصلاحات القائمة لا يمكن إنكارها، لكنها تحتاج إلى تحديد إستراتيجية ذكية لتطبيقها، مبررا ذلك بالقول أن أي إصلاحات تلاقي غالبا نوعا من المقاومة، على غرار التدريس باللغة الانجليزية الذي يستوجب إعطاء الوقت الكافي للأساتذة الذين يمارسون مهمة التدريس باللغة العربية و الفرنسية حتى يتسنى لهم التكوين والتعلم، وهو نفس الشيء بالنسبة للطلبة، مع التفكير في طريقة يتمكن فيها الطالب من استيعاب الدروس باللغة الانجليزية. تطوير المناهج والبرامج البيداغوجية من بين الإصلاحات التي تستدعي التوجه إليها، في الوقت الراهن، لتطوير الشق البيداغوجي، تماشيا مع القرارات المهمة التي اتخذتها الوزارة الوصية على قطاع البحث العلمي، من رقمنة وتدريس باللغة الانجليزية، رافع تشيكو فوزي من أجل تطوير المناهج والبرامج، لأنّ المناهج العلمية الحالية حسب المتحدث، لم تتطوّر ولم تتأقلم مع تطور العلوم على المستوى الدولي والعالمي، لذلك يجب تطوير هذه البرامج والمناهج على أن تكون ذكية بشكل يستوعبه الطالب بعيدا عن الطابع السردي، حتى تلقى القبول من الطالب، كون هذا الأخير يميز بين البرنامج الثقيل والبرنامج الذكي. استبعاد الطّريقة الكلاسيكية في التّدريس كما تستوجب الإصلاحات المحدثة، حسب البروفيسور تشيكو، التركيز على البحث العلمي وتطويره عن طريق إحداث نظام المكافأة والتحفيز للباحثين نظير بحوثهم ومقالاتهم العلمية، إذ سيساهم هذا النظام على تفجير طاقات الباحثين والاكاديميين، لاسيما الفئة التي تشارف على ختام مسيرتها العلمية، ولا ترى أي فائدة من البحث بدون مقابل. وجدّد المتحدث، عميد كلية العلوم الاقتصادية لجامعة معسكر، دعوته إلى التفكير في تطبيق الإصلاحات الهامة التي تشهدها الجامعة، بطريقه ذكية، متحدثا عن تجربة حاضنات الأعمال التي تسمح للطالب والجامعة بإخراج المشاريع المبتكرة خارج الجامعة للإستفادة والاستنفاع بها في مختلف المجالات، مشيرا أيضا إلى المدارس العليا المتخصصة في الذكاء الاصطناعي الرياضيات والنانو والروبوتيك، التي تم استحداثها بموجب هذه الإصلاحات، والتي ستحقّق حتما الاكتفاء العلمي والتكنولوجي المرجو منها، حسب تشيكو فوزي، من خلال استقطاب المهارات والكفاءات العلمية الموجودة في الجامعة، فضلا عن الطلبة المتفوقين ذوي القدرات العلمية الخارقة، مشيرا إلى أنّ المهم في هذه المدارس، أن تعطي الفرصة للطلبة للتعبير عن ذكائهم وتفجير طاقاتهم العلمية والذهنية، باستبعاد الطريقة الكلاسيكية في التدريس، واعتماد تقنيات ومعايير حديثة لاستخراج الذكاء الكامل للطالب المتفوق في الوقت المناسب. الجامعة تجني ثمار القرار 1275 من جهته، قال العضو الخبير في اللجنة الوطنية التنسيقبة لمتابعة الابتكار وريادة الأعمال، البروفيسور عبد النور بلميمون، أن مساعي الدولة من خلال إصلاح الجامعة الجزائرية تستهدف تثمين المنتجات العلمية، عن طريق فتح قنوات مع المحيط الخارجي حتى يكون لها قيمة اقتصادية، بما يتماشى مع احتياجات الاقتصاد الوطني، خاصة مع الأولويات الوطنية المطروحة، المتمثلة في الأمن الغذائي، الطاقات المتجددة، والذكاء الاصطناعي، من خلال إشراك الطالب في خلق الثروة في المجال الاقتصادي، الأمر الذي أتاحه، القرار 1275، الذي يسهل تحويل المكتسبات العلمية للطالب، في شكل مشروع لمؤسسة مصغرة أو ناشئة، لديها فكرة ابداعية، مؤكّدا أنّ القرار 1275، هو واحد من الاصلاحات التي عرفتها الجامعة لتثمين التحصيل العلمي والمعرفي، بالتنسيق مع عديد الوزارات على غرار وزارة اقتصاد المعرفة والمؤسسات الناشئة، التي عملت على تهيئة المناخ والمحيط الملائم لهذه الأفكار، والتسويق لها على المستوى الدولي العربي والافريقي. وأشاد البروفيسور عبد النور بلميمون بما أثمرت به الإصلاحات المتخذة في شأن تثمين البحث و الإنتاج العلمي من تطور ملحوظ، تعكسه المؤشرات الايجابية المسجلة في مجال دعم الابتكار، في ظرف وجيز من تطبيق تجربة القرار 1275، التي سمحت باستحداث 243 مؤسسة ناشئة حاصلة على وسم المشروع المبتكر، وتحقيق 800 براءة اختراع على مستوى المعهد الوطني للحماية الفكرية الصناعية، لأول مرة في تاريخ الجامعة الجزائرية منذ الاستقلال، وتسجيل أكثر من 2000 طالب جسّدوا أفكار مشاريع، وهي مؤشّرات إيجابية لمشروع قرار 1275. مساعي إصلاح دقيقة بنظرة استشرافية أمّا بخصوص الإصلاحات التي شملت قرار التدريس باللغة الانجليزية، قال عبد النور بلميمون المتخصص في ريادة الأعمال، إنه لا يمكننا أن نتكلم عن اقتصاد المعرفة والتكنولوجيا والابتكار، بدون أن نتكلم عن اللغة العالمية، لأن كل العلوم الدقيقة والتكنولوجية في العالم تدرس بالانجليزية، الأمر الذي يجبر الجامعة الجزائرية على التماشي مع هذا المعيار سواء أساتذة أو طلبة، حتى تساير الركب التكنولوجي، إضافة إلى العديد من الإصلاحات التي تقوم بها الوزارة الوصية، على غرار مساعي تقليل تكاليف التسيير من خلال إطلاق منصات رقمية تحد من استعمال الورق والمشاكل الادارية، وتسهل الحياة اليومية للطالب حتى يتفرغ لطلب العلم والبحث العلمي، مشيرا إلى أن إنشاء المدارس العليا المتخصصة في الذكاء الصناعي الروبوتيك والرياضيات، قائلا إنه مسعى يرمي إلى تطوير مجال معين لتطوير قطاعات معينة بدقة واستشراف، تلبية لاحتياجات مطروحة وتحقيقا للاكتفاء العلمي والتكنولوجي، على غرار الروبوتيك الذي يشهد تسابقا عالميا في هذا المجال الذي نحتاجه في المجال الصحي والصناعي وغيره، للحد من وارداتنا من هذه التكنولوجيات.