نظّمت المكتبة الوطنية الجزائرية بالتعاون مع ديوان المطبوعات الجامعية في إطار اليوم العالمي للترجمة ندوة علمية حول "الترجمة ثقافة التعايش المشترك"، تحت إشراف وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، حيث عرفت حضورا مميزا ومداخلات ثرية لقامات فكرية وإطارات رسمية. ألقى مدير المكتبة الوطنية الجزائرية منير بهادي نيابة عن وزيرة الثقافة والفنون صورية مولوجي، كلمة أشاد فيها بجهود المشتغلين في حقل الترجمة، ومساهمتهم القيمة في تقنيات الترجمة ثقافيا وعلميا، كما نوّه بالرؤية الفكرية للترجمة كمنظور فلسفي إنساني، ساهم منذ القدم في الحفاظ على التواصل العلمي والمعرفي للثقافات الأجنبية والحضارات المختلفة، مؤكدا بذلك على أن الاحتفاء باليوم العالمي للترجمة جاء كخلفية للاحتفاء بالكتاب والثقافة والعلوم كروافد فكرية تبني الحضارة وتوثق إنجازاتها لتحقيق التعايش الوجداني الحقيقي، باعتبار أنّ الترجمة مسألة حياة يقاس بها مدى تقدم الدول ووعي شعبها. تناولت الدكتورة سعيدة درويش من جامعة باتنة في مداخلتها إلى إشكالية "ترجمة النصوص الدينية ودورها التواصلي"، مستندة في ذلك على أربعة أنواع من النصوص المعرفية الدينية التي تخص الملحمة السومرية والتوراة ثم الإنجيل والقرآن الكريم. في إطار تحديد معالم الترجمة وتأثيراتها على ثقافة الشعوب ومعتقداتهم الدينية التي تقر بأن التحالف الفكري صعب لا يمكن التحكم فيه رغم تباين مقاييسه ومبادئه. بينما قدّم الدكتور نور الدين زمام من جامعة بسكرة في مداخلته مضمون اللغة والترجمة والبحث عن المشترك الإنساني، الذي يشيد بدور الترجمة اليوم كضرورة إنسانية وثقافية وعلمية تلعب دورا هاما في كافة المستويات، خاصة في دعم التثاقف بين الشعوب وتعزيز التواصل بين الأفراد والجماعات مهما اختلفت مشاربهم ومعتقداتهم وتنوّعت ثقافاتهم وحضارتهم، وتباينت أعراقهم. ومن جهته تطرّق الدكتور محمد ساري إلى تداعيات الترجمة والمصالحة اللغوية في الجزائر، معرجا على الصراع اللغوي الذي عاشته الجزائر لسنوات طويلة، حيث كان الأدب الجزائري السائد حسبه هو المكتوب باللغة الفرنسية، إذ وبعد الاستقلال وبانتهاج سياسة التعريب، ظهر ما يسمى بصراع حول لغة الأدب الجزائري، أين حسمت الترجمة في تبديد جليد الصراع في أحداث تقارب بين المعربين على كتابات رواد الأدب الجزائري أمثال مولود فرعون، محمد ديب، وغيرهم، وبين المفرنسين على كتابات الطاهر وطار وعبد الحميد بن هدوقة وغيرهم. كما عرفت المناقشة عدة تعقيبات قيمة، أبرزها ما تطرق إليه الدكتور عمار طالبي، وما يخص الترجمة من منظور تاريخي تناوله الغربيون في فلسفات متعددة، خاصة عند الألمان وبنظريات عديدة تعي بدورها في تحقيق تفاعل الحضارات ونقل الأفكار بمختلف اللغات واللهجات، منوها في ذات السياق للشق الخفي للترجمة كوسيلة وتقنية ايديولوجية في السيطرة على الشعوب وسلب هويتهم، خاصة حين باتت الثقافة العربية الإسلامية اليوم، شديدة التأثر بالهجمات الغربية المسلطة على شبابها الذي يستهلك الصورة الحية في بناء منطلقاته وأفكاره دون الاستعانة بالكتب والمقالات الملموسة. وبدوره قدّم الدكتور بشير غريب من جامعة وادي سوف، كلمة مقتضبة أشار فيها إلى تجربة الترجمة في الجزائر، من خلال نقل قيم الثورة الجزائرية وتدويل القضية الوطنية عبر مقالات صدرت في مجلات جزائرية وأخرى تونسية، حيث كانت الترجمة آنذاك وجه آخر للمقاومة، حسب ما جاء على حد قول المتحدث. للإشارة، دعا محمد ساري إلى إنشاء هيئة جزائرية للترجمة، تقوم على ضبط النشاط الترجمي وفق أبعاد وأفق أكاديمية وعلمية، لتسهيل دورها في الثقافة على ضوء التعاون والتشارك، لاسيما الاعتراف بجهود العاملين الذين يعتبرون ناقلين للغة ثقافيا.