في مستشفيات غزة، التي ينقل إليها الضحايا بعد التمكن بصعوبة من إخراجهم من تحت الركام، تبدأ المأساة الإنسانية، بسبب كثرة الجثث التي تفيض عن مساحة ثلاجات الموتى، حيث تضطر الطواقم الطبية إلى وضعها في ساحات المشافي وفي بعض أروقتها، بعد وضعها في أكياس بيضاء محكمة الإغلاق، ومخصصة لهذا الوضع، وبعض الجثث وبسبب تقطعها يصعب جمعها في تلك الأكياس. أعدّ سكان غزة مقابر جماعية لدفن العشرات من الشهداء الفلسطينيين، من جراء القصف المتواصل من الجيش الصهيوني على القطاع، مع صعوبة توفير مكان لأي جثامين جديدة داخل المستشفيات. ووفق شهادات من غزّة الصّامدة، فإن الخطى تسارعت لدفن الضحايا في مقابر جماعية، بعد أن طلبت دولة الاحتلال من سكان القطاع الذين يعيشون في الشمال ويبلغ عددهم نحو 1.1 مليون شخص، الرحيل عن ديارهم إلى الجنوب، مما أثار مخاوف واسعة بشأن ترك الجثامين دون إتمام إجراءات الدفن الشرعية. وقال مدير عام مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة محمد أبو سليمة، "إنّ ثلاجة حفظ الموتى لم يعد بها مكان لاستقبال أي ضحايا جدد، نظرا للأعداد الكبيرة التي تصلنا يوميا من جراء القصف الوحشي المتواصل". ويعد مجمّع الشفاء الطبي أكبر مستشفى في القطاع المكتظ بالسكان، ويخدم ما يزيد على مليون شخص داخل غزة. وأضاف أبو سليمة: "ثلاجات الموتى كاملة العدد، ولا يوجد مكان لوضع الشهداء الجدد، وبالتالي يدفنهم أهاليهم على الفور". ومع تزايد أعداد الشهداء داخل القطاع الذي يعاني "كارثة إنسانية"، وفق تعبير منظمة الصحة العالمية، اضطر كثيرون إلى استخدام شاحنات حفظ الأطعمة لوضع الجثامين داخلها حتى دفنها. ونقلت مصادر عن الطبيب ياسر علي الذي يعمل بمستشفى الأقصى في دير البلح، قوله إن "المشرحة تستوعب 10 جثث فقط، لذلك قمنا بإحضار سيارة مجمدات المثلجات من أجل حفظ الأعداد الكبيرة من الشهداء". وأضاف أنّ "قطاع غزة في أزمة، وإذا استمرت الحرب بهذه الطريقة فلن نتمكن من دفن الشهداء. المقابر ممتلئة بالفعل ونحن بحاجة إلى مقابر جديدة". وذكر الطبيب علي وهو يفتح الثلاجات ليظهر الجثث الملفوفة بأكفان بيضاء: "حتى بوجود هذه الثلاجات، يفوق عدد الشهداء سعة هذه المشرحة الرئيسية بالمستشفى والمشارح البديلة، وما بين 20 و30 جثة متروكة داخل خيام أيضاً". وحاليا لا يجري فتح بيوت عزاء للشهداء، والتي بالعادة يزورها على مدار ثلاثة أيام الأهل والجيران والأصدقاء، بسبب الاستهدافات المستمرة والغارات الدامية لجيش الاحتلال، والتي ضربت شوارع وأحياء سكنية وأسواقا شعبية، بغية إيقاع أكبر عدد من الضحايا في صفوف المدنيين. وأجبرت ظروف الحرب على قيام مجموعة قليلة من الأقارب والجيران، في بعض الأحيان يعدون على أصابع اليد الواحدة، بنقل الجثمان بعربة عادية إلى المقبرة بعد أداء صلاة الجنازة، ومن هناك يتفرقون كل إلى وجهته، وفي بعض الحالات تلقي أسر الضحايا نظرات الوداع الأخيرة على الشهداء، وفي كثير من الحالات لم تلق هذه النظرة، لأنه لم يعد هناك جسد سليم للجثمان، الذي مزقته الصواريخ وقطعته إلى أشلاء صغيرة. مقبرة لمجهولي الهويّة في السياق ذاته، كشف مسؤول فلسطيني، عن دفن عشرات الجثامين مجهولة الهوية في مقبرة جماعية، بعد استشهادهم في هجمات للاحتلال على القطاع. وقال خلال مؤتمر صحفي، إن هذه الخطوة تأتي في ظل تكدس عشرات الجثامين لمن لم يتسن التعرف عليهم خلال الأيام الماضية. وأضاف: "هؤلاء ضجّت بهم ثلاجة الشهداء في مستشفى الشفاء، بينما يتوافد العشرات الآخرون. أعددنا مقبرة جماعية لكي يدفنوا، وتمّ اتخاذ الإجراءات القانونية والشرعية من وزارتي الصحة والأوقاف والطب الشرعي". وأشار المسؤول إلى "تصوير وتوثيق الضحايا، وأخذ توثيق للعلامات المميزة لهم، ليتسنى للعائلات التي يمكن أن يكون لها مفقودين أن تتفقدهم لاحقا". 21 مستشفى تلقّت أوامر بالإخلاء قالت منظمة الصحة العالمية، إنّ 21 مستشفى بغزة تلقّت أوامر صهيونية بالإخلاء، مشيرة إلى أن ذلك يرقى إلى مستوى انتهاك القانون الإنساني الدولي، فيما أعلنت المنظمة تسريع تسليم إمدادات طبية حيوية للبنان في ظل تصاعد وتيرة العنف في الأراضي الفلسطينية. وقالت المنظمة إنّها سرعت وتيرة تسليم الإمدادات الطبية الضرورية إلى لبنان "ليكون جاهزا لمواجهة أي أزمة صحية محتملة". وأشارت المنظمة إلى وصول شحنتين إلى العاصمة اللبنانيةبيروت، الأحد، قادمتين من مركز تابع لها في دبي، قائلة إنهما تشملان "ما يكفي من الإمدادات وأدوية الصدمة والمستلزمات الجراحية لحاجة ما بين 800 و1000 جريح". وأضافت "إذا تصاعدت الاشتباكات على الحدود بين لبنان والكيان الصهيوني سيتعرض المزيد من المدنيين للخطر"، مشيرة إلى تضرر النظام الصحي في البلاد من الأزمة الاقتصادية وانفجار مرفأ بيروت الذي حدث في أوت 2020، فضلا عن "العبء الإضافي لأزمة اللاجئين السوريين". على شفير الهاوية وجّهت الأممالمتحدة دعوات عاجلة للسماح بدخول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وسط تحذيرات من أن الشرق الأوسط بات "على شفير الهاوية". وفي بيان الأحد، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش: "المياه والكهرباء والإمدادات الأساسية الأخرى تنفذ من غزة". وأضاف أنّ مخزونات الأممالمتحدة من الإمدادات الغذائية والطبية والوقود في مصر والأردن والضفة الغربية "يمكن إرسالها في غضون ساعات"، لافتا إلى أن طواقم الأممالمتحدة "تحتاج أن تكون قادرة على إدخال هذه الإمدادات إلى جميع أنحاء غزة بأمان وبدون تأخير".