دعا "عيسى قراقع" رئيس المكتبة الوطنية الفلسطينية، إلى وقف المذبحة التي يتعرّض الأسرى والأسيرات داخل المعتقلات الصهيونية، والعمل الفوري على إنقاذ حياتهم، وعدم السماح لدولة الاحتلال الصهيوني بنزع الشرعية عن كفاحهم المشروع لوجودها الاستعماري وغير القانوني في فلسطين. جاء ذلك في ندوته التي خصّصت، للحديث عن ما يتعرّض له الأسرى الفلسطينيين والأسيرات حالياً في المعتقلات الصهيونية، ونظمت الندوة من قبل "منتدى المدارس العصرية" في العاصمة الأردنية عمان. وافتتحت بكلمة ترحيبية بالوزير قراقع من قبل الدكتور "أسعد عبد الرحمن" رئيس المنتدى، ورئيس مجلس إدارة مؤسسة فلسطين الدولية، حيث قال: "يأتي تنظيم هذه الندوة ضمن مساهمات المنتدى في إحياء ذكرى يوم الأسير الفلسطيني، الذين يتصدرون مشهد الوجع الفلسطيني في هذه اللحظة الفارقة من مسيرة الكفاح الوطني، لجهة ما يتعرّض له جمهور الأسرى والأسيرات من تنكيل وتعسف من قبل دولة الاحتلال الصهيوني، التي تستغل الظروف السائدة حالياً في فلسطين والعالم، لتنفذ أبشع مجزرة عرفها التاريخ الحديث بحق الأسرى والأسيرات العزل والمجردين من أي سلاح، والمحميين بموجب اتفاقيات جنيف وبروتوكلاتها الملحقة. لهذا - أضاف عبد الرحمن - نرحب بالأخ المناضل عيسى قراقع، ليقدم لنا وصفاً للظروف والوقائع التي يكابد ويلاتها أسرانا وأسيراتنا، وأخبارنا بآخر ما سرب وعرف عن تلك الانتهاكات، وأقول آخر ما عرف نظراً لقلته، نظراً للتعتيم الصهيوني الشديد، على كل ما يتعلق بالأسرى والأسيرات بعد السابع من أكتوبر 2023م. يمكنني القول: إن ما يتعرض له الأسرى حالياً داخل معتقلات الاحتلال الصهيونية، هو الأسوأ منذ أن بدأ عهد الاحتلال الصهيوني لفلسطين في عام 1948م، وهي حالة لم يقابلها في القسوة والبشاعة أي مشهد مماثل، نظراً لفظاعة الممارسات الإجرامية المقترفة بحقهم، سيما أسرى وأسيرات قطاع غزة. فمع بدء عمليات الاعتقال التي رافقت حرب الإبادة الصهيونية لغزة، نفذ (الصهاينة) ما يمكن وصفه بالمذبحة الخاصة داخل المذبحة العامة، مذبحة خصصتها لقتل الأسرى والتنكيل بالأسيرات، تنفيذاً لرغبتها الدفينة والقديمة في تصفيتهم، وإحلال الإعدام محل الحجز والاعتقال؛ فأطلقت العنان لجيشها ليعمل ما يحلو له بالمواطنين الفلسطينيين الذين يتمّ اعتقالهم، وجعلت لتلك الانتهاكات عنواناً علنياً وهو "الانتقام" من الفلسطينيين، بسبب ما لحق بها من خزي خلال عملية طوفان الأقصى. لهذا نكلت بالأسرى والأسيرات بأبشع صور التنكيل، حيث قام الجنود بإعدام عشرات الأسرى بعد اعتقالهم أحياء، وقام المحققون بضرب الأسرى وشبحهم وتقيدهم بالسلاسل طيلة ساعات اليوم؛ وشيدت في هذا السياق معتقلاً خاصاً بالقرب من مستعمرة "سيدي بوكير" في صحراء النقب، وهو ذي طبيعة سرية ويحظر على المحامين أو منظمات حقوق الإنسان الوصول إليه، وقد صمم المعتقل المذكور بمعايير أمريكية، من حيث الطبيعة المعمارية له، ومن حيث طريقة إدارة ومعاملة الأسرى القابعين فيه، حيث طور (الصهاينة) بإرشادات أمريكية، طرق تعامل الجيش الأمريكي مع أسرى معتقل أبو غريب وغوانتانامو والسجون الأمريكية الطائرة، القائمة على المغالاة في إهانة الأسرى وإذلالهم، وإخفاءهم داخل المعتقلات السرية؛ واغتصاب الأسيرات. وهو ما يقرفه الجنود الصهاينة حالياً في مراكز الاحتجاز والتوقيف والمعتقلات، حيث أكدت العديد من الشهادات الصهيونية، ومنها شهادة طبيب صهيوني عمل في المعتقل السري الجديد، حيث أفاد "أنه تمّ بتر أطراف العديد من الأسرى بسبب المضاعفات التي تسببها القيود البلاستيكة التي تكبل أيدي وأرجل الأسرى، كما تسبب حرمان الأسرى من تلق العلاج المناسب، وحجب الغذاء والدواء عنهم، وسلبهم حق الاستحمام، وحرمانهم من اقتناء وسائل النظافة الشخصية، إلى إصابة كافة الأسرى بالأمراض. وفي المعتقل نفسه - ووفقاً لتقرير - نشرته جريدة هآرتس الصهيونية بتاريخ 4 أفريل 2024م، فإن الجنود قتلوا 27 أسيراً داخل المعتقل، مضافين إلى 87 أسيراً آخرين تمّ قتلهم وهم مكبلين، ونقلت جثامينهم إلى غزة، وعثر على العديد منهم في مقابر جماعية، وهم مكبلين بالقيود البلاستيكية ومعصوبي العيون؛ ووفقاً لشهادة الطبيب نفسه، فإن سلطات الاحتلال تقترف مخالفات قانونية في ذلك المعتقل، وتعرض صحة الأسرى الفلسطينيين من غزة للخطر. وأضاف إنه شارك في بتر ساقي أسيران بسبب ضغط القيود البلاستيكية على أطرافهما، وأن الأسرى في المعتقل نفسه يتغذّون على الأعشاب، ويتغوطون في حفاظات، وتظل أيديهم مقيدة باستمرار، وهذه - وفقاً للطبيب الشاهد - ممارسات تتعارض مع المعايير الطبية والقانون الدولي. كما تمّ اغتصاب أكثر من 500 امرأة منهم 120 أصبحن في عداد الحوامل، وجزء منهن قتلن بسبب مقاومتهن للاغتصاب الجماعي المصحوب بالتعذيب؛ وهو انتهاك طال في أذاه العديد من الرجال والأطفال، الذين حاول بعضهم الانتحار من هول ما يلاقونه من تعذيب. الهدف من المغالاة في التعذيب تظن دولة الاحتلال الصهيوني، بأن هذه الممارسات تساعد في توطين الهزيمة والانكسار في أعماق الفلسطينيين والفلسطينيات، وتترك أثراً بعيد المدى في نفوسهم وقابل للتوريث؛ لقدرته على تذكيرهم بهزيمتهم وانكسارهم، وصولاً إلى تحطيم المجتمع الفلسطيني وإذلال مناضليه، ووضع حد لمناهضة الاحتلال والكف عن مقاومته. كما بين قراقع أن دولة الاحتلال الصهيوني كانت تحتجز في معتقلاتها قبل 7 اكتوبر حوالي 4500 أسير وأسيرة، بينما ارتفع هذا العدد خلال الحرب، فباتت تحتجز الآن أكثر من 9500 أسير وأسيرة، منهم 3660 معتقلاً إدارياً و56 صحفياً و80 امرأة على الأقل، وأكثر من 200 طفل، و17 من نواب المجلس التشريعي. وجميعهم يخضعون لأقسى وأبشع الانتهاكات التي لا يتحملها بشر، ولا يتصورها عقل، ومنها حرمان الأسرى من الطعام والشراب وحرمانهم من العلاج والنوم، حيث تبقي أضواء كهربائية قوية مسلطة عليهم لتمنعم من النوم، مضاف إلى ذلك الضرب بالعصي والرش بالغاز الخانق؛ الأمر الذي تسبب في استشهاد 16 أسيرا لغاية الآن، كما تبقي الأسرى مكبلين بالقيود على مدار الساعة، بما ذلك خلال الوقت المخصص لتناول الطعام، حيث يقوم السجانون والجنود بإطعام الأسرى، بوساطة مصاصة لشفط الطعام، بدلاً من إرخاء القيود أو فكها عن أيديهم، ليتمكنوا من تناول طعامهم على قلته، كما لا يسمح لهم بالوصول الى المراحيض لقضاء حاجتهم، فيتغوطون في ملابسهم، أو في حفظات تم تزويدهم بها قبل تقيدهم. كما يتم إجبار الأسرى على الركوع أمام السجان خلال فترة العدد، كما اغلقت سلطات المعتقلات كانتين المعتقل ومنعت الأسرى من شراء أياً من احتياجاتهم، ويتمّ إجبارهم على الاستماع للنشيد الصهيوني، وتقليد أصوات الكلاب وغير ذلك من ممارسات لا يتقبلها العقل البشرى السوي. كما يبقي السجانون، شبابيك الزنازين مفتوحة خلال الشتاء وساعات البرد القارص، ويتمّ حرمانهم من فرشات النوم، ودفعهم للنوم على أسرة من حديد، كما لا يتردّد السجانون من الاعتداء الفوري بالضرب المبرح على أي أسير، كما حصل مع الأسير "ثائر أبو عصب - 38 عاماً، بتاريخ 18 نوفمبر 223م، الذي تعرض للضرب بالعصي حتى الموت، لأنه سأل الحارس الصهيوني "إلى متى سيظل الأسرى في قسمه في حالة الاستعداد للعدد الأمني، بصفته ممثلاً للأسرى؛ فرد عليه الحارس، "سآتيك بالجواب بعد قليل"، فعاد الحارس ومعه 19 جندياً مقنعاً، مدججين بالهراوات الحديدية والكلاب البوليسية، واقتحموا غرفة ثائر وكان فيها 7 أسرى آخرين، وبعد أن أنهوا عملية العد المذلّة لهم، وتحققوا من اسم ثائر الكامل، أمروا الأسرى بالاستدارة للخلف، ورفع أيديهم فوق رؤوسهم وجلوس جلسة القرفصاء، ثم انهالوا على ثائر بالضرب المبرح بالهراوات الحديدية، على مدار 20 دقيقة متواصلة، إلى أن فارق الحياة". كما تقوم دولة الاحتلال الصهيوني بإنكار وجود بعض الأسرى لديها، وأنا اتهمها في هذا المقام، بتعمد إخفاء أثر الأسرى بعد اعتقالهم وهم على قيد الحياة، تمهيداً لتصفيتهم، مستغلة حالة القتل العشوائي في غزة، المنفذ بدعم دنيء من المجتمع الدولي، الذي لم يحرك ساكناً لغاية الآن إزاء ما يقترفه (الصهاينة) من جرائم في قطاع غزة. ولهذه الدولة ماضي معروف في سياسات الإخفاء والقسري، والقتل تحت جنح الظلام، وإنكار وجود الأسرى لديها، وهي تتقن فن إخفائهم في معتقلاتها السرية، حيث أخفت من قبل وعلى مدار سنوات عديدة، عشرات الأسرى الفلسطينيين والعرب، مثل (مصطفى ديراني وعبد الكريم عبيد ويحيى اسكاف) وغيرهم. قوننة القمع والقتل، وجعله سياسة دولة رسمية إلى ذلك بين قراقع أن الحكومة الصهيونية لا تخجل من ممارساتها، بل تتباهي بها، إلى أن جعل منها رؤساء الأحزاب والبرلمانيين الصهاينة، مضماراً للمنافسة فيما بينهم، ومجالاً مفتوحاً لمن يحقق فيه الأذى الأكبر بحق الأسرى الفلسطينيين، وتشريع القمع وإلباسه اللبوس القانونية، وفي هذا الإطار سبق للحكومات الصهيونية المتعاقبة أن سنت مجموعة من القوانين التي تمنح القمع والتنكيل ما يلزمه من تغطية، حيث شهد عام 2018م حملة محمومة من قبل أعضاء الكنيست الصهيوني لسن المزيد من القوانين والتشريعات الضاغطة على الأسرى والأسيرات، ومنها: مشروع قانون خصم الأموال التي تدفعها السلطة الوطنية الفلسطينية لعائلات الأسرى والشهداء، حيث تم إقرار قانون احتجاز جزء من المستحقات المالية للسلطة الفلسطينية خلال عام 2018م بما يوازي قيمة المخصصات التي تدفع كإعانات للأسرى والشهداء، والتي تمّ تقديرها بواقع مليار ومئة مليون شاقل سنوياً، وقد حمل القانون عنوان، خصم أموال للسلطة الفلسطينية بسبب دعم (الإرهاب). وقانون إلغاء الإفراج المبكر، حيث تمّ طرح مشروع هذا القانون بتاريخ 3 ماي 2018م، وأقر بالقراءة الأولى بتاريخ 5 تشرين ثاني 2018م، فيما أصبح نافذاً بالقراءتين الثانية والثالثة بتاريخ 25 ديسمبر 2018م وينصّ على منع تقليص فترات الاعتقال للأسرى الفلسطينيين "ممن أدينوا بتهم متعلقة بالقتل"، وبعدم استثناء أحد ممن قام بعمل "نضالي ومقاوم للاحتلال"، حتى إان كان حسن السلوك خلال فترة اعتقاله أو بسبب المرض الشديد. كما تمّ سن قانون التفتيش الجسدي والعاري للمعتقلين ودون وجود شبهات، بعد أن صادقت اللجنة الوزارية الصهيونية للتشريع يوم 19 أكتوبر 2015م، على مشروع قانون يمنح أفراد الشرطة صلاحية إجراء تفتيش جسدي حتى لى عابري سبيل غير مشتبهين، تحت حجة مكافحة العنف، وبالتالي يصبح كل فلسطيني عرضة للتفتيش الجسدي دون اشتباه ملموس. واستكمل بمشروع قانون التفتيش العاري الذي تمّ طرحه ومناقشته ضمن لجنة الدستور التابعة للكنيست يوم 28 نوفمبر 2018م بذريعة منع المعتقلين من تهريب إدخال أغراض للزنازين في مراكز الشرطة وبموجب القانون يسمح للشرطة باستخدام القوة لتنفيذ التفتيش العاري، بحيث يهدف هذا القانون للإساءة المتعمدة وإهانة الأسرى. المطلوب وفي معرض رده على تعقيبات الحضور على الجزء الأول من المحاضرة، والتي تمحورت حول، ما المفروض عمله لدعم الأسرى وإنقاذهم، قال: قراقع "علينا الانتقال من طور الوصف والتشخيص إلى طور المحاصرة والملاحقة الفعلية لدولة الاحتلال على ما تقترفه من جرائم بحق الأسرى، وإضافة هذا المحور من محاور الوجع الفلسطيني إلى شعارات ومواضيع حركة التضامن العالمي الحالية مع فلسطين. وأضاف، "أرى أن حركة التضامن الجماهيرية الواسعة مع شعبنا التي يشهدها العالم، تتضمن فرصة حقيقة لتعريف العالم بكل ما يجب تعريفه به، وفي مقدمتها موضوع الأسرى والأسيرات، فنحن شعب لا نملك من الأسلحة سوى لحمنا ودمنا، لهذا علينا بناء قنوات منيعة لتصريف الدم المراق وتحويله لإنجازات". لأننا نخوض غمار معركتنا العادلة بلا أسلحة مادية، لهذا علينا أن نرى الفرص المتاحة من بعيد، واستثمارها وتوظيفها قبل نفاذ طاقتها الداعمة، وتحريك العالم من أقصاه إلى أقصاه بقوة الدم الفلسطيني المسفوك، والتضحيات العظام؛ على مذبح محاولات الوصول إلى مرحلة تجسيد الحلم، وبناء الوطن الحر والمستقل أسوة بباقي الشعوب الحرة والأصلية. لهذا أدعو إلى توسيع نطاق تعريف العالم وخاصة التجمعات الطلابية المتعاطفة مع قضية شعبنا، بقضية الأسرى وما يحصل معهم، وعدم السماح للصهاينة بنزع الشرعية عن كفاحهم ومناهضتهم لوجود الاحتلال في وطنهم، وعلى جهات الاختصاص بناء نص اعلامي متماسك مدعم بالصور والرسوم الايضاحية والأفلام التمثيلية التي تجسد المعاناة كما هي، وأنا على يقين بأن لهذا التحديث في العمل سيكون رجع صدى منتج ومفيد للكفاح الوطني المشروع.