تطرقت في الحلقتين الأولى والثانية إلى التوعية ومجالاتها، موضحا أهميتها ومبرزا النجاح الذي حققته تجربتا ماليزيا واندونيسيا في تنظيم رحلات الحج باعتمادها على توعية الحجاج الشاملة وتكوينهم وتبصيرهم قبل سفرهم إلى البقاع المقدسة. وفي هذه الحلقة، نلقي الضوء على أهمية السكن في عملية الحج أو العمرة، ونتعرف بإيجاز على الصعوبات التي تتعرض لها البعثات في توفير أفضل العمائر لحجاجها بالقرب من الحرمين الشريفين بكل من مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة وبالتكاليف المعقولة. ويشكل التزايد المستمر الذي يسجله كل موسم في أعداد المسلمين القادمين إلى البقاع المقدسة لأداء الحج والعمرة سببا رئيسيا في تلك الصعوبات، الأمر الذي دفع بالجهات المختصة في المملكة العربية السعودية إلى تطوير البنية التحتية للمرافق العامة والبحث عن حلول هندسية باستمرار لاستيعاب هذه الزيادات، ومن أهم عمليات التطوير مشاريع التوسعة التي عرفتها مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة على مر الأزمنة وآخرها المشروع الذي أقرره خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود بمكةالمكرمة والذي أدت بداية تنفيذه إلى إزالة ما يقارب 1200 عمارة ومبنى بالقرب من الحرم المكي الشريف. فكيف تستطيع البعثة استئجار عمائر تناسب رغبة كل حاجئوتمكنه من شد الرحال إلي البقاع المقدسة لنيل شرف الطواف والسعي والدعاء والصلاة داخل المسجد الحرام بمكةالمكرمة وزيارة المسجد النبوي الشريف بالمدينةالمنورة بكل يسر وسهولة ؟ وكيف يمكن للبعثة أن توفق بين إمكانيات حجاجها المتواضعة وحاجياتهم وطلباتهم المشروعة ومبدأ الاستطاعة وما تتوفر عليه السوق العقارية بالمدينتين المقدستين مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة - وما هو مدى تأثير مشاريع التوسعة والتطوير التي يتم انجازها حاليا على أسعار السكن مستقبلا وبالتالي على تكلفة الحج الإجمالية، علما بأن الدراسات تتوقع زيادة نسبة ما يقارب 18 ٪ على النفقات الحالية للحجاج خلال السنوات الثلاثة القادمة - ولم لا يتم التفكير من الآن فصاعدا في اقتراح صيغا مختلفة لإسكان الحجاج مستقبلا - صيغة بسيطة بتكلفة متواضعة وأخرى متميزة وبخدمات إضافية تناسب كل واحدة منها استطاعة كل حاج من الجانب المادي، بحيث يمكن لهذا أن يختار عمار قريبة من الحرم وغرفة يتقاسمها مع زوجته أو مع مجموعة من حجاج يختارهم سلفا - ويمكن للآخر أن يختار سكنا بعيدا عن الحرم بتكلفة متواضعة وذلك وفقا لإمكانياته المادية ولاستطاعته البدنية والصحية - إن الصيغة الحالية - حتى وان كانت ايجابية في معظم جوانبها - تثير ردود فعل متباينة بين الحجاج لأن إمكانيات ورغبات هؤلاء متباينة أيضا، فمنهم من يرغب في سكن مريح في عمارة قريبة من الحرم، مهما كانت التكاليف، ومنهم من يقبل أن يتقاسم غرفة واحدة مع غيره وفي المساحة المحددة من قبل الأنظمة السعودية. فكيف يتم اختيار وتهيئة السكن بالبقاع المقدسة : تعتبر هذه العملية إلى جانب التوعية من أهم الخطوات التي يتعين على القائمين على تنظيم رحلات الحج والعمرة القيام بها نظرا لتأثيرها المباشر على سلوكيات الحاج بالبقاع المقدسة وعلى أداء البعثة وعلى نوعية التأطير والخدمات. ومن منطلق أهمية هذا الموضوع وضرورة اختيار أفضل المساكن لحجاجنا الميامين، يتعين على البعثة إتباع الخطوات التالية : أولا : وضع دفتر شروط دقيق وواضح للتعاقد مع أصحاب المجموعات السكنية بمكةالمكرمةوالمدينةالمنورة : يجب أن توضح هذه الوثيقة الهامة الشروط الواجب توافرها في الشركات والمؤسسات والمجموعات السكنية السعودية المؤهلة والمرخص لها للتعاقد مع بعثة الحج بهدف إسكان الحجاج الجزائريين المسافرين عن طريق البعثة الرسمية أو عن طريق الوكالات السياحية العمومية أو الخاصة المعتمدة من طرف الديوان الوطني للحج والعمرة بالتنسيق مع القطاعات المعنية. ويجب أن يتضمن دفتر الشروط تذكير المتعاملين السعوديين بأهمية مراعاة ضوابط إسكان الحجاج واللائحة التنفيذية وتدابير السلامة المحددة من طرف الجهات الرسمية في المملكة العربية السعودية. كما يجب أن يوضح هذا الدفتر ما يقع من التزامات وواجبات على أصحاب العمائر المؤهلين والمرخص لهم والراغبين في المشاركة في المناقصة التي تنشرها البعثة بالصحف السعودية، وأن يحدد طبيعة الخدمات الواجب توفيرها بالعمائر قبل توقيع عقود إسكان الحجاج وتوثيقها وتصديقها لدى الجهات السعودية المخول، وذلك بهدف الحفاظ على حقوق البعثة والوكالة السياحية وحجاجهما. ثانيا : الخطوات الواجب إتباعها من طرف الوفد التحضيري : 1 - قيام البعثة الرسمية أو الوكالة السياحية بتوعية الحجاج بمضمون الأنظمة السعودية السارية المفعول في مجال إسكان الحجاج والمحددة للمساحة القانونية المخصصة بكل حاج بمكةالمكرمة 3.5)م2 بمكةالمكرمة و4م2 بالمدينةالمنورة( 2 - قيام البعثة أو الوكالة بإبرام عقود إسكان الحجاج في مساكن مرخصة، في وقت مبكر، والتوقيع عليها، وتقديم نسخ منها للمؤسسة الأهلية للأدلاء في المدينةالمنورة وللمؤسسة الأهلية للطوافة بمكةالمكرمة بصفتهما الجهتين السعوديتين الرسميتين المنوط بهما خدمة الحجاج بصفة مباشرة؛ وذلك فور توقيع اللجنة على العقود سواء كانت ابتدائية أو نهائية. 3 - حرص البعثة والوكالة على معاينة العمائر الحاصلة على تصريح رسمي ساري المفعول، وعلى اختيار المناسب منها وفقا لمعايير موضوعية وشروط دقيقة على أن تتوفر في تلك العمائر شروط السلامة والأمن والراحة وعلى أن تكون قريبة من الحرم المكي أو من الحرم النبوي الشريف 4 - أن لا يتم التعاقد على إسكان عدد معين من الحجاج دون تحديد العمائر التي سيتم إسكانهم بها، وإنما يجب تحديد تلك العمائر ومواقعها وأرقام تصاريح الإسكان الصادرة لها من لجنة الإسكان السعودية؛ وذلك للحيلولة دون قيام أصحاب المساكن المتعاقد معهم بتوفير مساكن لا توافق عليها البعثة أو الوكالة أو يرفضها الحجاج بسبب بعدها أو عدم ملاءمتها وهو ما يسبب مشاكل. 5 - أهمية قيام البعثة أو الوكالة بتصديق وتوثيق عقود إسكان الحجاج لدى الجهات السعودية المختصة )المؤسسة الأهلية لمطوفي الدول العربية بمكةالمكرمة والمؤسسة الأهلية للأدلاء بالمدينةالمنورة( وذلك بهدف ضمان حقوق البعثة والحفاظ على حقوق الحجاج، وتفاديل للوقوع في مشاكل بسبب ضعف بعض المتعاملين السعوديين وتلاعبهم في عملية التكفل بتوفير السكن المناسب، الأمر الذي قد يؤدي إلى رفض الحجاج لتلك العمائر غير المناسبة. وتضمن العقود الموثقة والمصادق عليها لدى الجهات السعودية المختصة السكن المناسب للحجاج في حال إخلال صاحب العمارة لالتزاماته التعاقدية. 6 حرص البعثة والوكالة على ضمان عدم إسكان الحجاج في مساكن غير مرخصة من الجهات المختصة؛ وذلك حفاظاً على سلامتهم وتفاديا لوقوع حوادث بالعمائر القديمة لا قدر الله 7 - قيام بعثة الحج والوكالة باتخاذ التدابير الضرورية لإلزام صاحب العمارة بتوفير كافة الخدمات الضرورية بالمساكن ولضمان عدم استغلال جهل الحجاج من بعض ضعاف النفوس من الشركات السعودية المنعدمة الكفاءة بإسكانهم بأعداد تفوق العدد المصرح به، أو إخراجهم قبل انتهاء المدة المقررة لإقامتهم المتفق عليها. الحلقة الثالثة:عبدالقادر بن شاعة 8 - قيام البعثة والوكالة بضمان الالتزام بأعداد الحجاج ومواعيد قدومهم للمدينة المنورة أو سفرهم منها؛ لأن أصحاب المساكنبالمدينةالمنورة يلتزمون عادة بعدة عقود على مسكن واحد ولكن لفترات مختلفة وأي تأخير في قدوم الحجاج للمسكن أو عدم سفرهم منه في الموعد المقرر سيؤدي إلى إخلال بالعقود الأخرى وإلحاق المتاعب بحجاج آخرين لهم عقود على نفس المسكن، الأمر الذي يلزم على البعثة وعلى الوكالة تقديم برنامج الرحلات لقدوم حجاجها في وقت مبكر للمتعامل السعودي بالمدينةالمنورة، شريطة أن يتم اعتماد البرنامج من طرف الرئاسة العامة للطيران المدني السعودي في وقت مبكر أيضا. وقبل أن نتطرق في حلقة قادمة إلى كيفية استقبال ومساعدة وإيواء الحجاج في أحسن الظروف على أرض الواقع وفقا لبرنامج معد سلفا، لا بد من الإشارة إلى أهمية وضع بنك معلوماتي يتضمن بطاقيات (َّمىوِفْهٍَُُ) عن المجموعات السكنية السعودية و بطاقيات عن العمائر التي يتم التعاقد عليها واستعمالها من قبل حجاج البعثة أو الوكالة : 1 - إعداد بطاقيات عن كل المؤسسات والشركات السعودية التي تتعامل وتتعاقد معها بعثة الحج أو الوكالة الجزائرية لتوفير السكن للحجاج الجزائريين في كل من مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، وذلك بهدف إدراجها في برنامج للإعلام الآلي قصد تمكين الديوان الوطني للحج والعمرة من التعرف مسبقا على الشركات والمؤسسات السعودية ذات الكفاءة والمهنية والمصداقية دون سواها. 2 - إعداد بطاقية عن كل عمارة تم اختيارها في كل من مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، وذلك لتفادي اختيار العمائر غير المناسبة والإبقاء على الصالح منها فقط. وبذلك، يستطيع الديوان الوطني للحج والعمرة وضع نظام معلومات جغرافي وبالصورة لعمائر إسكان الحجاج والمعتمرين بمكةالمكرمةوالمدينةالمنورة، مما يسمح بالمعرفة المسبقة للعمائر التي يمكن أن يقع الاختيار مستقبلا. وتعمل بمثل هذا الأسلوب عدة دول إسلامية التي تعرض على حجاجها صيغا عديدة لإسكانهم طبقا لمبدأ الاستطاعة الواردة في القرآن الكريم بشأن الحج : 1 السكن للزوجين فقط )حسب المسافة من الحرم والطابق( 2 السكن في غرف لأقل من 5 أشخاص )حسب المسافة من الحرم والطابق) 3 السكن وفق المساحة المحددة من طرف السلطات السعودية 3,50) م2 بمكةالمكرمة و4م2 بالمدينةالمنورة) ونظرا لأهمية السكن في وضع خطة تأطير الحجاج بالبقاع المقدسة، يجب على البعثة والوكالة اتخاذ التدابير الضرورية من أجل التحكم في إدارة السكن والنقل، ويتعين عليها تخصيص فترة ما قبل مغادرة الحجاج لأرض الوطن لمعاينة العمائر المتعاقد بشأنها وتحديد مدى احترام المتعاملين السعوديين المتعاقد معهم لبنود العقود المبرمة معهم والموثقة خاصة منها تلك المتعلقة بالخدمات و شروط الإقامة. كما يجب على أول فوج من البعثة يصل إلى الأرضي المقدسة قبل الحجاج، معاينة كل العمارات بصفة متكررة بمرافقة ممثلين عن مكاتب الخدمات الميدانية التابعة لمؤسسة مطوفي الدول العربية والأدلاء والقطاعات الأخرى لبعثة الحج الجزائرية والمؤجرين. وبذلك، تتمكن البعثة الجزائرية من ضمان استقبال وإيواء الحجاج في أحسن الظروف وفق برنامج معد مسبقا يرتكز أساسا على خطة التأطير الجواري اللصيق بالحجاج الجزائريين نظرا لارتفاع معدل أعمارهم ولحالتهم الصحية. ومن هنا يمكن تحديد الخطط الأخرى ومنها خطة النقل على ضوء خريطة أماكن إقامة الحجاج على أن تراعي البعثة التنسيق مع قسم الرعاية الطبية من أجل تحديد مقرات المراكز الصحية الجوارية التي يمكنها توفير الخدمات بسرعة وفعالية أكبر ونقل الحجاج المرضى إلى عرفة ومزدلفة ومنى والعودة بهم من هذه المشاعر إلى مكةالمكرمة أو الذهاب إلى جدة )للعودة( أو المدينةالمنورة )لمن لم يقم بعد بزيارة المسجد النبوي الشريف(، وذلك لتمكينهم من أداء مناسكهم. إذن، التوعية والسكن الملائم يساعدان على إنجاح خطة نقل وتأطير الحجاج الذين يأتون من كل فج عميق ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معدودات، ويشكروه ويذكروه بقلوب خاشعة، وعيون دامعة، فتهتز نفوسهم، وتلين أفئدتهم، ويشتد حنينهم إليه سبحانه وتعالى؛ فيعيشون في ذكريات وفي نفحات خالدة سائلين الله تعالى للإسلام الحفظ والرعاية، وللمسلمين التوفيق والهداية، ولأوطانهم العزة والحماية بمنه وكرمه