راهنت الحكومة على برنامج تجديد الاقتصاد الفلاحي والريفي على تقليص التبعية الغذائية نحو الخارج، وتحقيق الأمن الغذائي من خلال زيادة الإنتاج الزراعي إلى مستويات تسمح بالوصول إلى الاكتفاء الذاتي، خاصة في قطاعات منتجة للسلع الغذائية ذات الاستهلاك الواسع، والتي تأتي في مقدمتها الحبوب بمختلف أنواعها، كالقمح والحبوب الجافة. وإن كان مختلف الوزراء المتعاقبون على القطاع الفلاحي قد قبلوا رفع تحدي تحقيق أبرز أهداف البرنامج الفلاحي الطموح الذي يمتد على سنوات 2010 و2014، والمتمثلة في تقليص التبعية الغذائية نحو الخارج، إلا أن الواقع والأرقام الرسمية تشير إلى أنّ النتائج المحققة تظل بعيدة عن الأهداف المسطرة، وتترجمه بصفة مستمرة الأرقام المخيفة عن ارتفاع الاستيراد لتلبية الحاجيات المتنامية للمواطنين من المواد الغذائية، حيث أبرزت أحدث الإحصائيات الصادرة عن هيئات رسمية مثل الجمارك الوطنية أن فاتورة المواد الغذائية المستوردة بلغت 7.32 مليار دولار في ال 9 الأشهر الأولى من السنة الجارية بمعدل ارتفاع ناهز 11.45 في المائة، من إجمالي واردات تجاوز 41 مليار دولار في نفس الفترة من سنة 201 . برنامج التجديد الفلاحي والريفي الذي وضع من بين أهم أهدافه تقليص فاتورة استيراد الحبوب التي تمثل 35 في المائة من الحجم الإجمالي لاستيراد المواد الغذائية، يبدو أنه لم يتمكن من بلوغ هذا الهدف، خاصة و أن ارتفاع الفاتورة يتواصل منذ عامين تقريبا ومرشح لأن يعرف المزيد من ذلك في ظل التراجع المستمر للإنتاج المحلي من الحبوب الذي بلغ 49.1 مليون قنطار في نهاية الثلاثي الثالث من سنة 2013 مقابل 51.3 مليون قنطار في ال 9 أشهر الأولى من سنة 2012 و بتراجع 3 في المائة. أمام تراجع الإنتاج الوطني من الحبوب بخلاف التوقعات الرسمية، فإن تلبية الاحتياجات الوطنية المقدرة ب 8 ملايين طن أدت إلى رفع الاستيراد من 3 إلى 5 ملايين طن سنويا، النصيب الكبر عاد إلى مادة القمح اللين و الصلب بما يعادل 35 في المائة من حجم واردات الغذاء، فضلا على زيادة استيراد البقول الجافة بأكثر من 50 في المائة. هذه الأخيرة باتت تمثل مشكلا حقيقيا للجهاز القائم على الاقتصاد الزراعي و متابعة البرنامج الخاص بتطوير القطاع ويجري حاليا البحث في كيفية التعامل مع هذا التحدي غير الهين الذي يضاف إلى باقي التحديات الأخرى المطروحة بإلحاح في ذات القطاع، على الرغم من أن الخطوط العريضة لتنمية ذات القطاع كانت تبدو واقعية، لكن عندما يتعلق الأمر بالنتائج العاكسة لمدى تطبيق البرامج المسطرة فإن كثير من التساؤلات تطرح حول الطرق المعتمدة في تنفيذ مختلف السياسات المتعلقة بالرفع من الإنتاج الوطني وكذا التركيز المفرط على الاستيراد، عوض البحث وبجدية عن الأسباب الحقيقية التي تحول، وفي كل مرة، دون تقليص التبعية الغذائية. وفيما يبدو فإنّ عملية البحث عن تحقيق الأمن الغذائي باتت تشبه إلى حد كبير ما يعتبر جهود تبذل في إطار تقليص الاعتماد المفرط على المحروقات، حيث أنه وفي كل مرة يتم التركيز، من خلال الخطاب الرسمي، على ضرورة زيادة الصادرات خارج المحروقات، إلا ويرتفع الاعتماد المفرط على تمويل كل الحاجيات الضرورية وغيرها بما فيها الغذاء على إيرادات المحروقات، على نحو بات يشكل خطرا أكيدا على الأمن الغذائي الوطني، تداخلت فيه الكثير من المعطيات بما فيها العراقيل المفتعلة للحد من تطور القطاع على حساب الأمن الوطني بمفهومه الواسع. مخطط التجديد الفلاحي والريفي الذي مضى على دخوله حيز التطبيق أكثر من ثلاث سنوات تضمن إطلاق أزيد من 10 آلاف مشروع فلاحي وتوفير حوالي مليون منصب شغل وأكثر من 169 بلدية معنية بالبرنامج، فضلا على أنه يمس ما يناهز 7200 عائلة أي 4.47 مليون شخص، و أكثر من 8192 ألف هكتار كمساحة للتوسع الزراعي، وأخرى قد تتعدى 250 ألف هكتار إضافي، وذلك لتحقيق معدل نمو سنوي ينتقل من 6 في المائة سنويا قبل انطلاق البرنامج إلى أكثر من 8 في المائة سنويا في سنة 2014. وإن كانت الغاية الأساسية للمخطط رفع الإنتاج الوطني الزراعي من أجل تقليص التبعية الغذائية نحو الخارج، فإن الواقع الراهن يشير وبحسب الأرقام أن تراجع الإنتاج و تضخم فاتورة الاستيراد، يستلزم تقييما موضوعيا لمدى تحقيق الأهداف التي جاء بها برنامج التجديد الفلاحي بالنظر إلى الآفاق المستقبلية، خاصة على المدى القصير جدا واستمرار تسجيل أرقام غير مشجعة في الإنتاج المحلي واحتمال بلوغ الواردات فاتورة تتراوح ما بين 10 إلى 20 مليار دولار في نهاية سنة 2013.