يرى الأستاذ الشريف منوبي، فنان مخضرم وصاحب أربعة عقود من الإبداع، وأحد مؤسسي المدرسة الجهوية للفنون التشكيلية بباتنة، أن غياب مشروع وطني وعدم إيلاء الفن التشكيلي نفس الاهتمام الذي تحظى به الفنون الأخرى، ساهم في غياب سوق للفنون التشكيلية بالجزائر. يرى المتحدث أن الفنون التشكيلية ببلادنا ما زالت تبحث عن نفسها، حيث لم تجد أذانا صاغية ولا الذواقين لها، قائلا: "فعصر السرعة والعولمة جعلنا لا نلتفت إلى الوراء ولا نراجع حساباتنا، فنحن نخضع لابتزازات العولمة، كما لم تنل الفنون التشكيلية حظها رغم المجهودات المتفرقة المبذولة هنا وهناك ولم تأخذ حصتها وسط الحركية والزخم الكبير من الأنشطة الثقافية والمهرجانات التي تنظمها وزارة الثقافة، حتى أصبح الجميع يعتقد أن الثقافة هي الموسيقى ورقص وفقط". وأشار المتحدث إلى أنه بالرغم من امتلاك الجزائر لعدد من المدارس الجهوية للفنون التشكيلية التي من المفروض أن تساعد على رواج الفن التشكيلي ونجاحه إلا أن المدرسة هي الفاعل الأساسي والوحيد في تكوين الفنانين التشكيلين، مؤكدا بأن الإمكانيات هو ما ينقصنا، ناهيك عن قلة الدعم من وزارة الثقافة حتى نؤدي دورنا على أكمل وجه، قائلا: "نحن لدينا رغبة جامحة في إعادة إنعاش الفن التشكيلي وإعادة بعث تراثنا من جديد، لكن كل شيء يتوقف على توفر الإمكانيات ودعم الوزارة الوصية، ونحن نأمل خيرا في الوزيرة الجادة باعتبارها فنانة إن تقدر ذلك". سألنا محدثنا عن "الأزمة" التي يعيشها الفن التشكيلي إن صح ذلك فأشار إلى وجود "أزمة عميقة" في مجال الفنون التشكيلية سببها بالدرجة الأولى غياب مشروع وطني يستثمر في الطاقات والمبدعين، "فعلى الرغم من وجود أعلام كبار في الفن التشكيلي ببلادنا إلاّ أننا نجد دور الشباب خاوية على عروشها وصالونات العرض قليلة جدا" يقول المتحدث، مضيفا بأننا لا نملك سوقا للفن التشكيلي والذي يرى بأنه يحتضر في بلادنا على يد القائمين على قطاع الثقافة محليا أو مركزيا، فلامبالاتهم وعدم اهتمامهم يقتل فينا الإبداع وإن كنا نحن نملك "المناعة" ضد ذلك بحكم "عشقنا وولعنا" بالفن التشكيلي. وأضاف بأن المبدعين الشباب سرعان ما يملون أمام الضغوطات الرهيبة المتمثلة في نقص الدعم وقلة الاهتمام، كما أن المشكل الأساسي الذي يبقى يعاني منه هو عدم قدرة المتذوق للفن أن يقتني لوحة فنية، بحكم غلاء ثمنها، حيث أن بيع لوحة فنية بسعر 15 ألف دج أو 25 ألف دج، يبدو غير معقول بالنسبة للبعض، "لذا على الدولة مساعدتنا من خلال اقتناء أعمالنا" يقول منوبي.وأشار الفنان إلى الهوة الكبيرة بين وجهات نظر الفنانين والمسؤولين حول كيفية "علاج" الفن التشكيلي من "مرضه"، حيث أصبح كل واحد منهم يبحث عن المصلحة الخاصة، متناسيا الرسالة النبيلة التي يحملها، وهذا في حد ذاته انهزام شديد للفكر الفني، فالفنان يقول يجب أن يكون في رحلة دائمة للبحث عن الإبداع وما يستطيع أن يقدمه للجمهور المتعطش للفن الجميل، ناهيك عن مشاكل أخرى منها انعدام قاعات العرض والأروقة الفنية، ما جعل الفنان يعيش في حالة إحباط شديدة فأصبحنا ملزمين بالإبداع الشخصي والبحث دائما عن الإمكانيات المناسبة للعرض، إضافة إلى أن الفن التشكيلي ما يزال مهمشا عكس الفنون الأخرى. «بالعودة إلى الجانب المادي، فأنا على سبيل المثال أقوم دائما بتخصيص ميزانية كاملة من حر مالي، وأحيانا على حساب عائلتي وحاجياتها الخاصة"، هذا ما أكده الفنان منوبي، مؤكدا على ضرورة مساهمة دور الثقافة في اقتناء اللوحات الفنية كنوع من الدعم". ويشير الفنان أيضا إلى انعدام المتاحف المتخصصة، وعدم تخصيص ميزانيات كافية للتكوين، كما أن العشرية السوداء حسبه ألقت بظلالها على واقع الفنون التشكيلية، حيث غادر الكثيرون الوطن دون رجعة تاركين وراءهم فراغا ثقافيا رهيبا.. فضلا عن غياب النقد الفني الذي يعرّف بالفنانين ويقيّم أعمالهم، وكذا انصراف المتاحف المتخصصة في شراء أعمال الفنان التشكيلي وعرضها ليتعرف الجمهور على أصحابها. وأضاف الفنان منوبي الشريف أن هناك حلقة مفقودة بين الفنان والجمهور، فالفنان يحتاج إلى متلق متذوق ونقد بناء وتشجيع مستمر، وبالمقابل الجمهور بحاجة إلى المزيد من الوعي الفني بالثقافة التشكيلية التي تعتمد اعتمادا كليا على دور الثقافة والمكتبات وصالات العرض والإعلام الصادق، داعيا إلى إخراج المعارض التشكيلية إلى الأماكن العامة، حتى يتمكن الجمهور من تذوق الفن وارتياد المعارض الفنية، وحمّل الفنان في ختام حديثه وسائل الإعلام الجزء الأكبر لغياب الجمهور عن صالات العرض، وذلك لعدم تغطيتها للمعارض الفنية.