قسمت غزة الصف العربي المشتت من زمان وبعثرت فرص التلاحم والوحدة الهشة وأبعدت إلى غير رجعة العمل العربي المشترك الذي ظل حبيس الخطاب السياسي ولم يجسد في الميدان. وانقسمت الدول العربية إلى ثلاثة اطراف بعيدة عن الاتفاق حول أدنى الأمور تاركة غزة تواجه وحدها أشرس عدوان اسرائلي يوظف أسلحة محظورة لإبادة شعب فلسطيني رفض الاستسلام وتمسك بحق تقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف مهما كلفه من أمر. في ظل هذه التناقضات التي يعيشها العالم العربي بمرارة ولم يألفها من قبل، برزت ثلاثة أطراف متباعدة بحكم علاقتها مع الخارج ولا سيما الولاياتالمتحدة صاحبة الحل والربط. أولها- دول تفضل خيار المقاومة وتشدد على عدم ترك غزة لوحدها تحارب العدو العبري الذي أدار ظهره لحق العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة مثلما تؤكده مضامين الاتفاقات ومثلما تلح عليه المبادرة العربية في بيروت حول الأرض مقابل السلام. ثانيا- دول تهادن وتعمل على الإبقاء على الوضع الفلسطيني الراهن في غزة وتخشى أنصار المقاومة بشكل يهدد حساباتها ومصالحها ونظرتها للمستقبل للترتيبات السياسية الآتية. وترى هذه الدول أن انتصار المقاومة يزيد في دعم محور حماس، حزب الله، سوريا، إيران الذي يحمل رؤية أخرى ويتمسك بخيار المواجهة على المهادنة مع الدول والدول التي تسانده وتدعمه بكل أدوات القوة والغلبة والتفوق في الشرق الأوسط الكبير الممتد إلى أفغانستان وليس الرقعة الجغرافية العربية فقط. ثالثا- دول اختارت الحيادية ولا تريد أن تدخل في مواقف لا تتحمل تبعاتها السياسية. وترجمت هذه الانقسامات القمم التي عقدت في نفس الظرف تقريبا للحيلولة دون بروز موقف عربي متجذر يساند المقاومة في غزة ولا يضغط عليها لزجها في مسعى المهادنة بدل التصعيد وتذويبها في المشروع الاستسلامي الذي يطبخ على أكثر من صعيد وتضغط واشنطن بكل قوة لإقراره وتمريره عبر بعض العواصم العربية. ويتعلق الأمر بقمة الدوحة الطارئة التي لم يكتمل نصاب عقدها بعد عدول بعض الدول التي أبدت موافقتها تحت الضغط الشديد وهي قمة تحولت إلى مجرد لقاء تشاوري لما يجب اتخاذه في قمة الكويت الاقتصادية يوم الاثنين والقمة الطارئة الخليجية بالرياض التي دعت إليها السعودية عشية قمة الدوحة، وأخيرا قمة الكويت. وبالرغم من أن ملف غزة مطروح على جدول أعمال القمم الثلاثة إلا أن قمة الدوحة التي لو اكتمل نصابها ولم تتراجع بعض الدول خاصة المعنية الأولى بالقضية الفلسطينية أكثر من غيرها. والسبب أنها لم تحصر ملف غزة التحرري في مجرد أعمال استغاثة ونجدة ومساعدات انسانية وإعادة اعمار القطاع، لكن الوقوف إلى جانب المقاومة وتزويدها بكل ادوات المواجهة والحرب التي لا تبقي فقط على صمودها بل إفشال العدوان الإسرائيلي مثلما أفشلته المقاومة اللبنانية في حرب تموز، في وقت عجزت فيه الجيوش العربية الجرارة منذ النكبة 61 سنة. وما يؤكد هذا ما ردد على الملا من الأمير القطري الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، الداعي إلى قمة الدوحة الطارئة بحتمية مراجعة الموقف العربي والذهاب إلى حد سحب المبادرة العربية الأرض مقابل السلام في ظل التنكر الإسرائيلي للحقوق وتماديها في الغطرسة والتهديد والوعيد وتفضيل الخيار العسكري على السياسي. ويعزز هذا الطرح المواقف المعلن عنها هنا وهناك حول توظيف كل الأوراق في هذه المواجهة المصيرية مع الدولة العبرية بما فيها سلاح النفط لإفهام الدول المساندة لإسرائيل أن العرب ليسوا في الوضع المزري المنهار الذي يجعلهم لا يقوون على المواجهة واتخاذ موقف المتفرج على شعب يتآمر عليه في غزة ويذبح بوحشية من المحتل الإسرائيلي أمام الملا دون تحريك ساكن كأنهم غير معنيين بحرب الإبادة التي تستهدف القضية الفلسطينية أكثر من حماس وتصغيرها في غزة الجريحة الصامدة. فليس بغريب أن تتحرك الدبلوماسية المضادة وتوظف كل أدوات الضغط للتأثير على قمة الدوحة الطارئة، وفعل المستحيل من اجل عدم اكتمال نصاب عقدها وتحويلها إلى مجرد لقاء تشاوري تمهيدا لقمة الكويت التي يبحث ملف غزة على هامشها من زاوية وقف إطلاق النار والإجراءات الدبلوماسية المناسبة ضد إسرائيل وإنشاء صناديق للمساعدة وإعادة تعمير القطاع الفلسطيني الذي يخوض معركة بطولية ضد المحتل تحتاج إلى مساندة عربية في مستوى التحدي . ------------------------------------------------------------------------