«نحن شعب لا يموت» هكذا كان يصرخ من الأعماق شباب وشابات من الصحراء الغربية التقطتهم عدسة المخرجة البرازيلية من أصول كورية يا رالي للشريط الوثائقي «الحياة في إنتظار تقرير المصير والمقاومة في الصحراء الغربية» تنشط كرئيسة الشبكة الدولية لثقافة المقاومة. المقاطع التي تم عرضها على الحضور كانت قوية في أبعادها السيميولوجية صور معبرة وناطقة في آن واحد تظهر إرادة نضال الصحراويين الأبطال في مواقف وطنية تحمل دلالات ثابتة، مظاهرات ضد قوات الاحتلال المغربي بالعيون، ورفع الأعلام عاليا في عديد المناطق الصحراوية المحتلة مواجهة جدار العار غرس الأزهار بدلا من الألغام، كلها لغة سينمائية لتبليغ رسالة كفاح شعب. «المقاومة بدون عنف» هو العنوان الذي ركزت عليه يارالي إيمانا منها بأن الصحراويين بالرغم من الضغط اليومي الممارس عليهم والحصار المفروض على تحركاتهم فإنهم استطاعوا أن يفشلوا كل هذه الأعمال الدنيئة من خلال التميز الذي يضعونه في حياتهم. والفارق الذي يؤسسون له في إثبات وجودهم عن طريق قوة معنوياتهم، وإيمانهم بقضيتهم وتعلقهم بوطنهم زاد من بروزه أكثر عبر العناصر الثقافية نمط معيشتهم، طريقة تعاملهم مع الآخر، لباسهم، أكلهم، شرابهم، أسلوب المخاطبة والحديث وغيره من العوامل التي تجعلهم في مقام الشعوب القادرة على تقرير مصيرها مهما كانت التحديات ومهما عمل المغرب على طمس هذه الحقائق فإنه لن يفلح في ذلك أبدا. وقد أظهرت المخرجة يارالي هذه «المكونات» عبر مشاهد مؤثرة أحيانا تتحدث لوحدها عن هذا الشعب الأبي في وقوفه ضد الإحتلال. كل ما قالته المخرجة يارالي هو شكل من أشكال المقاومة لكنها شددت على أن ما أنجزته في ذلك الشريط أحرج المغاربة وأقلقهم إلى درجة لا توصف وهذا من خلال محاولاتهم لمحاصرة هذا العمل بممارسة الضغط على كل من يجرؤ على عرض هذا الشريط ويبرز نضال الشعب الصحراوي في الأراضي المحتلة وهذا ما حدث في مهرجاني السينما ببيروت والبنين وقد أبدت يارا إستغرابها من الهيسيتريا التي أصابت المغاربة من أجل منع العرض. هؤلاء الذين يخافون من الصورة يدركون جيدا بأن العالم مطلع على جرائم جلاديهم في الصحراء الغربية مهما حاولوا التستر على ما يرتكبون من أفعال مخزية ضد الصحراويين تصنف ضمن خانة جرائم الإبادة.. والإرباك الذي ينتابهم في كل مرة دليل بأنهم ليسوا على حق.. وإلا لماذا كل هذا التهويل!؟ جذوة النضال جذوة النضال ما تزال تلتهب لدى طلائع الشعب الصحراوي المقاوم للاحتلال المغربي الغاشم لم تنطفىء في يوم من الأيام أي منذ 40 سنة كانت في البدء «مسلحة» وحاليا لها الطابع «السلمي» تماشيا مع تعليمات القيادة الصحراوية. هذه «الصفة» المقاومتية للصحراويين أبلت البلاء الحسن في الأراضي الصحراوية المحتلة وخاصة العيون هذا الشبر العزيز على قلوب الصحراويين يشهد يوميا مظاهرات عارمة، واحتجاجات واسعة النطاق، واعتصامات قوية رفضا للاحتلال المغربي لوطنهم، يرفع لواؤها رجال ونساء وشباب عازمون على طرد هذا المحتل مهما تكن وسائل القمع المستعملة ضدهم.. وأساليب ملاحقة هؤلاء المناضلين المؤمنين إيمانا راسخا بقضيتهم العادلة. ونتأسف للتعتيم الإعلامي والتضليل السياسي الذي يحاصر بهما نضال الشعب الصحراوي في الأراضي المحتلة، بالرغم من وحشية رد فعل قوات الاحتلال التي تعتدي على النساء والشباب بالعصي والهراوات وتلاحقهم حتى في منازلهم ومقرات إقامتهم لإعتقالهم والزج بهم في السجون. كل هذا يجري بعيدا عن أنظار المجموعة الدولية المحبة للأمن والسلام والتواقة إلى الحرية والإنعتاق وفي هذا الإطار فإن الأمر أصبح لا يطاق وبلغ مرحلة من الخطورة لا يمكن أبدا أن يسكت عنه المعتقلون الصحراويون في السجون المغربية يتزايد عددهم بالآلاف إكتظت بهم زنزنات هذا البلد المحتل إلى درجة غير مقبولة إنسانيا يعذبون وينكل بهم هناك من فقد حواسه جواء اللجوء إلى طرق قاسية جدا.. كالنظر والسمع، وتشويه الوجه بسبب الضرب المبرح كل هذه «الأحداث» و«المشاهد» و«الحالات» موثقة كتابة وصورا محفوظة لدى الصحراويين تكشف همجية القوات المغربية، وإرتباكها الكبير في كيفية التعامل مع ما يقع في الميدان من مقاومة حقيقية مبنية على قناعة لا بديل عنها ألا وهي طرد المحتل مهما كانت التضحيات لذلك فإن عجز المغرب عن إخفاء هذه الحقائق الساطعة والوقائع الثابتة يسمح لمؤسسات، شخصيات ومنظمات وجمعيات من الإطلاع على ما يرتكب من جرائم ضد الصحراويين. وهذا كله أدى إلى إعتراض المغرب على إدراج آلية حقوق الإنسان في مهمة ال«مينورسو» بتواطؤ مع أطراف تجمعهما مصالح ضيقة مع هذا البلد، وتتعمد في منع أن تسند مهمة مراقبة ما يتعرض له الصحراويون وفي هذا السياق لابد من التذكير هنا بأن الناطق المساعد بإسم بان كي مون فرحان حق، أكد أنه يحق للمبعوث الشخصي للأمين العام بزيارة المناطق التي يحددها بنفسه ولا يسمح لأحد بمنعه من ذلك، هذه رسالة قوية للمغرب للكف عن هذه المناورات التي طال الزمن أو قصر فإنها ستصطدم بالحق الصحراوي والمطلب الدولي. وستسند إلى ال«مينورسو» كونها مسألة وقت كما حدث ذلك مع توقيف التعامل الأوروبي مع المغرب في المجال الفلاحي والقصد منها استنزافه لثروات الشعب الصحراوي. وهذه مقاومة سياسية تتساوق مع نظيرتها في الميدان وتكملها لتلتقي عند نقطة تقاطع ألا وهي إزالة الإحتلال ويتفهم المناضلون الأحرار ماذايعني 40 سنة من الكفاح ولايستطيع أحد توقيف عجلة التاريخ التي تسير بإتجاه استقلال الشعب الصحراوي، وهذا ما هو راسخ في وجدان الصحراويين حتى وإن كان النضال لا يقاس بالزمن فإن هذا الشعب لن يتخلى عن أرضه.