يعكس سقف الأرقام في آخر التقارير الرسمية خطورة تطور تفشي ترويج و تعاطي السموم البيضاء لدى فئة الأحداث في الجزائر، وتتعمق هذه الأخطار بصورة محسوسة، بعد أن صار شبح السموم المحظورة يهدد سلوكيات وصحة أطفالنا المتمدرسين عبر الإكماليات والثانويات، وعلى بعد سنتمترات من حرم المؤسسة التربوية، ومن خلف أسوارها . رغم تضارب الأرقام واختلاف التقارير، وتعدد التحقيقات المشرحة لهذا الداء، إلا أن الهاجس يبقى واحدا..و هو كيف يمكن التصدي لإسئصال هذه الشأفة التي باتت تتربص بفلذة أكبادنا، وترسم آفاقا قاتمة لمستقبل أجيالنا عبر مصير الانحراف؟ ! وإن كانت وزارة التربية قد اعترفت في أحد التحقيقات التي أجرتها مؤخرا أن الآفة بدأت تنخر جسد المنظومة التربوية، لأنه من خلال سبر الآراء الخاص الذي تناول عينة من تلاميذ الثانويات، كشف أن نسبة 2,3 بالمائة من المتمدرسين يتعاطون سم المخدرات . بل أن مؤشر الإحصائيات التي أكدتها الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث ل ''الشعب'' أكثر ضررا، لأنها تفرض حقائق مؤلمة، وتجبرنا على التعجيل باتخاذ تدابير وقائية أكثر منها ردعية، وإجراءات فعلية عبر سياسة جديدة، يملأ فيها فراغ التلميذ بالأنشطة الرياضية والثقافية والترفيهية، على اعتبار أن ما يناهز 4 / 1 المتمدرسين في ثانويات وإكماليات الولايات الساحلية يستهلكون المخدرات، وقدرت فورام هذه النسبة بنحو 25 بالمائة من المتمدرسين في الولايات الكبرى. ولم يخف الدكتور مصطفى خياطي رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث، أن أطفال الإبتدائيات الذين تقل أعمارهم عن سن 12 سنة، ليسوا في منأى من الأخطار التي تتربص بحرم مقرات المنظومة التعليمية، على اعتبار أن 50,11 بالمائة من المتمدرسين الصغار يدخنون مادة التبغ، و ما تحمله هذه المادة من خطر على أجسادهم الضعيفة . وحذر الدكتور مصطفى خياطي من مضاعفات تفشي آفة تعاطي المخدرات وسط فئة التلاميذ المتمدرسين، التي تسفر عن مظاهر العنف، وتدفع هؤلاء المتمدرسين نحو اقتراف سلوكات مشينة، على غرار الحرڤة والإجرام، والانخراط في الجماعات الإرهابية التي تروج للموت والدمار . ودعا إلى ضرورة التعامل مع هذا الملف الحساس والثقيل بجدية وحرص وصرامة، عن طريق التنسيق الفعلي مع منظمات المجتمع المدني التي تنشط في هذا المجال، معتبرا في سياق متصل أن الأرقام ليست لها أي قيمة في حضور الشبح، مهما كانت رقعة اتساعه كبيرة أو صغيرة . وشدد رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث على التعجيل للتنسيق بين مختلف القطاعات، لتطويق الآفة وشل انتشار العدوى، مع أولوية إعطاء اللاعبين الاجتماعيين دورا رياديا، كون مهمة الدولة تقتصر على توفير التوجيه والتعليم، مبديا استياءه من استقالة الكثير من الأسر عن مهمتها الجوهرية، وترك الأطفال وجها لوجه مع ضفة الانحراف عبر بوابة الإدمان . وتأتي أرقام ذات الهيئة التي استعرضها الدكتور خياطي لتؤكد جدية الخطر المحدق بالأطفال والمراهقين داخل الإكماليات والثانويات، المنتشرة في المدن الساحلية الجزائرية، حيث قدرت نسبة الإدمان الذي تجاوز مرحلة الاستهلاك والتعاطي بمعدل 2 بالمائة . ويحمل رئيس الهيئة الوطنية لترقية الصحة وتطوير البحث مشروعا طموحا، يحلم بتجسيد خطواته رفقة جميع الشركاء، لتكريس قطيعة حقيقية مع هذه المظاهر الدخيلة على مجتمعنا، ونشر ثقافة وقائية، حيث حث معلمي المدارس الابتدائية بالإحجام عن التدخين أمام تلاميذهم وفي بهو ساحة المدرسة. أما على مستوى الإكماليات والثانويات يدرك الدكتور خياطي صعوبة التأثير على المراهقين عن طريق الأساتذة، واستبدال ذلك بحملات تحسيسية لمكافحة المخدرات تحمل فيها طموحات الأطفال، وينشطها أبطال في الرياضة والفن، يملكون قوة التأثير على هذه الفئة من الأطفال . وأثار الدكتور مصطفى خياطي صعوبة وخطر الأشواك التي تسيج المحيط، في ظل تهريب وترويج قوي ومكثف لهذه السموم، لأن لغة الأرقام توضح أن حجم كميات المخدرات المحجوزة خلال السنة الفارطة بلغ 38 طن، وقدرت هذه الكمية في السداسي الأول من السنة الجارية بأكثر من 30 طن، إلى جانب تسجيل نحو 21 ألف قضية أمام العدالة تعالج جرائم المخدرات. عمل ميداني لجمعية رعاية الشباب وذهب عبد الكريم عبيدات رئيس جمعية رعاية الشباب إلى إقرار نفس الحقائق، والتحذير من نفس الأخطار، والتعويل على المجتمع المدني وحملات التحسيس لإحتواء فيروس هذا السرطان الذي بات يهدد حياة ومستقبل أطفالنا، حيث أفاد أن آخر سبر للآراء أجرته الجمعية على 450 تلميذا متمدرسا عبر الإكماليات والثانويات، أسفر عن تسجيل 20 بالمائة من المتمدرسين يتعاطون المخدرات من بينهم 10 بالمائة فتيات///. وخلال سرده للتفاصيل، قال السيد عبيدات أن ذات التقرير أشار إلى أن 40 بالمائة من هؤلاء المستهلكين يتعاطون المخدرات في المحيط، و 14 بالمائة بشكل عادي وحتى خلف الحرم المدرسي، و 20 بالمائة في المناسبات فقط . وفي الجانب الوقائي، كشف عبيدات أنه منذ حوالي شهر عكفت الجمعية التي تملك مركزا وقائيا للعلاج النفسي للمدمنين على المخدرات، على إطلاق خلية جوارية متنقلة تضم طاقما من الأطباء والنفسانيين والمربين الاجتماعيين، ومزودة برقم هاتفي أخضر (المتمثل في 021635042) ذكر أنها تجوب أحياء العاصمة كتجربة نموذجية في سيارة واحدة، على أمل أن تتعزز هذه العملية بعد أن يتضاعف عدد السيارات والفرق المختصة. واغتنم السيد عبيدات ليوجه نداءا لوزارة الشباب والرياضة ووزارة التضامن الوطني، بهدف تعزيز هذه التجربة الطموحة، وأبدى اهتماما كبيرا بإلتفاف العائلات حولهم والتعاون معهم لحماية ووقاية الأطفال، كون الجمعية توزع حوالي1000 مربية في الاحتكاك مع الشباب، وتخوض معهم معركة التحسيس والوقاية عبر الأحياء التي يشك أنها تروج بها المخدرات . وتبقى الظاهرة في حاجة أكبر لتشريح أعمق، ومتابعة أقوى من طرف جميع الشركاء، انطلاقا من العائلة إلى غاية المجتمع المدني، والدور الذي صار ينبغي أن تلعبه المدرسة الجزائرية في ظل التحديات التي باتت تهدد استقرار وسلامة التلاميذ على جميع المستويات صحيا واجتماعيا، وفي مستقبل حياتهم العلمية يختلف بكثير عما كان مسطرا في السابق، وحان الوقت للاستثمار الحقيقي في هذه الشريحة الهامة من المجتمع، وتنمية مواهبها وملء أوقات فراغها حتى لا تتسرب نحوها السموم .