طرحت الأزمة المالية العالمية بدائل النهوض بالاقتصاد الوطني الذي يبقى تحت تأثير المحروقات وتسيطر عليه بنسبة تقترب من 98 في المائة، وكشفت الأزمة رغم ما تحمله من سلبيات عن ضرورة البحث عن بدائل النمو وخلق الثروة والعمل المولد من الجهد الإنساني بدل الريع النفطي الآيل إلى السقوط ويحمل أخطار محدقة بالسيادة والقرار السياسي وتمويل البر امج والمشاريع. وذكر أكثر من مسؤول قطاعي في هذا الشأن بان الأزمة المالية العالمية التي قيل الكثير عنها وأعطيت التأويلات تحمل في زاويتها عاملا ايجابيا لا بد أن يوظف ويستثمر في سبيل الاعتماد على القدرات الإنتاجية المولدة من الجهد العضلي والفكري بدل إيرادات المحروقات. وذكروا في كل مرة أن الأزمة فتحت المجال إلى سياسة وطنية جديدة تراهن على النجاعة والواقعية في اعتماد المشاريع وتطبيقها في اجلها وكلفتها والتحكم في المصاريف العمومية الموجهة إلى الورشات الكبرى التي حولت الجزائر إلى فضاء للاستثمار والأعمال. وشدد على هذا الطرح اللقاء الأخير بوزارة المالية التي وزع فيه دليل للتحكم في النفقات المالية الموجهة إلى المشاريع الكبرى ومتابعتها في الميدان والحيلولة دون تحويلها إلى جهة غير جهتها أو تصرف بلا واقعية ومبالغة. وكان التأكيد على حتمية مرافقة المشاريع الكبرى في الميدان التي تستقطب أموالا طائلة من ميزانية الدولة ولا يمكن القبول بحدوث أي فجوة في الانجاز تحت أي طارئ وعذر. وهذا ما يحتم التحري الميداني الدقيق وضبط الحسابات بدءا من الدراسة التقنية الأولى للمشروع إلى غاية التشييد والتسليم. وكان التأكيد كذلك على رفع الأداء الإنتاجي الوطني من خلال الاستثمار في الموارد البشرية وإسناد الوظائف لم هم أهلا لها وأكثر قابلية بعيدا عن معيار الولاء والانتماء للصف واللون السياسي في زمن المواصفات والمعايير والحديث بلغة ز ايزو ز قاهر المسافات الجغرافية والحواجز عدا حاجز النوعية والجودة. من هنا تكمن أهمية انخراط المؤسسات الجزائرية في البرنامج الوطني للتأهيل الذي يعول عليه في تزويد الوحدات الإنتاجية والخدماتية بنظام الجودة والنوعية السامحة لها بمواجهة منافسة حادة تفرضها العلامات التجارية الكبرى ذات الصيت والتجربة الطويلة. ويفرض الظرف المتغير والتحديات الطارئة على المؤسسات الجزائرية الخروج من حالة الجمود والتردد في التجاوب مع مسار التأهيل والتقويم والكف على الإنتاج من اجل تلبية الحاجيات الوطنية وتموين السوق الجزائري الذي يتقلص ويضيق تحت منافسة خارجية لا تعترف بالحدود يشجعها زوال الاكراهات الجمركية والجبائية في ظل الانفتاح الوطني جراء الانضمام إلى اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي في انتظار المنظمة العالمية للتجارة. ويحمل الانفتاح مزايا كبرى للمنتوج الجزائري الذي وجد أمامه فضاءات حرة عربية بعد دخول الجزائر إلى منطقة التجارة العربية الحرة منذ بداية جانفي الماضي. يتعزز المدار ويتوسع مع الفضاءات الحرة الأفريقية التي توشك المفاوضات بشأنها على الانتهاء. وتمتلك المؤسسة الجزائرية التي تتسلح بالمواصفات وتعرض منتوجا يحمل الخصوصية والمزايا،حصة محتشمة في السوق الخارجي لا تتعدى قيمتها خارج المحروقات 01 مليار دولار سنويا.لكن توسيع الحصة الضئيلة للغاية وكسب رهان اقتحام الفضاء الخارجي البعيد والقريب يكون بتوفير شروط التمويل البنكي الموسع الذي لا يتوقف عند حدود الإنتاج لكن المرافقة التسويقية إلى خط النهاية. الأمر الذي لم تعتمد البنوك التي كثيرا ما يكتفي في تدخلها بتمويل عمليات في حدود دنيوية بعيدة عن مرافقة المؤسسة في تلبية احتياجات وطلبات زبائن تشترط عقودا تجارية واقتصادية تلبى في الوقت المناسب ولا تنتظر التأجيل.