التعليمة الكتابية التي استند عليها وزير المالية مراد مدلسي في تبرئة ذمته وذمة هيئته من أموال المؤسسات العمومية التي أودعت ببنك الخليفة والتي ضاعت وتبخرت، قابلتها تفنيدات قاطعة لكل رؤساء المؤسسات العمومية الذين تعاقبوا على الإدلاء بشهاداتهم أمام محكمة الجنايات لمجلس قضاء البليدة، يتصدرهم النفي القاطع للوزير المنتدب المكلف بالإصلاح المالي كريم جودي، الذي سبق له أن شغل مدير عام الخزينة العمومية، والذي قال صراحة إنه يجهل وجود هذه التعليمة التي قال مدلسي بوجودها منذ سنة 1984 والتي وجدت طريقا لها لتكتسب القوة الإلزامية فيما بعد في قانون المالية 2000، حسب تصريحات وزير المالية مراد مدلسي. تفنيدات المؤسسات العمومية المتعلقة بعدم تلقيهم أي تعليمة مكتوبة من وزارة المالية، بخصوص حظر هذه الأخيرة على المؤسسات العمومية إيداع أموالها بالبنوك الخاصة، وإلزامها على إيداعها بالخزينة العمومية أو البنوك العمومية، دشنها الوزير المنتدب بالإصلاح المالي وقبل مرور نصف ساعة فقط عن التصريحات التي تضمنتها شهادة الوزير مدلسي. التفنيدات المتعاقبة التي أطلقها المدراء للإطاحة بذريعة مراد مدلسي في إخلاء كل مسؤولية لوصايته في إيداع المؤسسات العمومية لأموالها لدى بنك الخليفة، تقاطعت كلها عند نقطة أن ديوان مراد مدلسي لم يصدر أي تعليمة في هذا الصدد والمدراء لم يتلقوا أي مراسلة كتابية ولا أوامر شفوية، وهو ما يتناقض على طول الخط والتصريحات التي جاءت على لسان مدلسي. فالأمين العام للبورصة، الذي تمكن من فدية أموالها، التي أودعها بناء على معلومات اخترقت جدران المديرية العامة لبنك الخليفة لتحط ببورصة الجزائر، قال صراحة إنه لم يتلق أي تعليمة بخصوص عدم قانونية أو حظر إيداع أموالها لدى البنوك الخاصة. كما أكد نفس المعلومة القائلة بعدم وجود أي أثر للتعليمة الصادرة عن وزارة المالية، لا في سنة 2000 ولا في السنوات التي أعقبتها، الرئيس المدير العام لشركة استيراد الدواء "ديڤروماد" المتهم الموقوف، وبنفس التصريح أدلى مدير صناديق التأمين الاجتماعي ووافقه على عدم وجود أي أثر لتعليمة مدلسي مدير الصندوق الوطني للتقاعد، والصندوق الوطني للتأمينات للعمال الأجراء، وكذا مدير صندوق ضمان الأخطار الناجمة عن القرض المصغر، بالإضافة لشركة الهندسة المدنية والبناء التي استطاع أن يفتكها قرار مجلس إدارة سوناطراك القاضي برفض إيداع أموال الفروع التابعة لها من "أنياب" بنك الخليفة. ونفس التكذيب صدر عن شركة نقل الحبوب الذي يعتبر فرعا مشتركا بين شركة النقل للسكك الحديدية والديوان الوطني لنقل الحبوب الذي خسر أزيد من 4 ملايير سنتيم، جراء إيداعه لأمواله ببنك الخليفة. القرارات الفردية للرؤساء المديرين العامين للمؤسسات العمومية، التي شكلت أنابيب رئيسية لصب الملايير من الدينارات والعملة الصعبة في صناديق بنك الخليفة، وبالرغم من أنها كانت بعيدة عن قررات مجالس الإدارة، فإن مدلسي حاول أن يتخذ من تعليمة صادرة سنة 1984، أي قبل وجود البنوك الخاصة في الجزائر، وكذا مضمون قانون المالية لسنة 2000 الذي شكل موضوع تعليمة مكتوبة، سندا قانونيا للتنصل من أي مسؤولية، كذبه صراحة مدراء المؤسسات العمومية الذين كذبوا أن تكون وزارة المالية أو وزارة التجارة أو الخزينة العمومية قد أعطت ولو مؤشرات بسيطة عن حظر إيداع المؤسسات العمومية لأموالها بالبنوك الخاصة. فكيف لتعليمة صادرة عن هيئة رسمية بحجم وزارة المالية وموجهة لجهة معلومة أن تضيع دون أن تصل لوجهتها؟ أم أن التعليمة فضلت أن تتخذ مسار التقرير الذي اتخذه التقرير السري الذي ضاع بين أدراج وزيرين؟ سميرة بلعمري: samirabelamri@ech-chorouk.com