بقلم: خضير بوقايلة: kbougaila@gmail.com شكّلت الانتخابات الرئاسية في موريتانيا مادة دسمة لكثير من وسائل الإعلام العربية على وجه الخصوص، وكانت فرصة أيضا لصحافتنا التي ركبت الموجة. تفنّن المعلّقون والعموديون منذ انطلاق حملة الانتخابات الرئاسية في موريتانيا، وبلغ الاهتمام أوجّه مع الإعلان عن نتائج هذه الانتخابات بفوز السي عبد الله ولد الشيخ على منافسه في الدور الثاني أحمد ولد داداه بنسبة 85ر52 بالمائة من الاصوات. طلع علينا المعلّقون يبشّروننا بنزاهة الانتخابات الموريتانية وبنجاح تجربة التحول إلى النظام المدني عبر انتخابات ديمقراطية، ووصل الحدّ بأحدهم إلى الدعوة إلى الاستفادة مما أسماه درس الانتخابات الموريتانية، وذهب أخونا العربي زواق إلى تبشيرنا بدخولنا العصر الموريتاني. أما أنا فلم أملك إلا أن أبدي مرة أخرى حزني على تهافت زملائنا على تجربة بلد أجنبي ولو كان شقيقاً أو قريباً، متناسين أنّ في بلدهم ما يغنيهم عن البحث عن الديمقراطية في بلدان أخرى. هل يعتقد هؤلاء أن تجربة موريتانيا في التحول إلى نظام حكم ديمقراطي مدني أولى بالاهتمام من تجربة بلدهم؟ ولنبدأ من البداية، من أطلق على بلده صفة الديمقراطية وكرّسها في دستوره، الجزائر أم موريتانيا؟ الجزائر طبعا! فهي التي تحمل منذ تخلصها من الحكم الاستعماري اسم الجمهورية الديمقراطية والشعبية أيضا. بلدنا ديمقراطي قلبا وقالبا منذ تأسيس الحكومة الانتقالية ثم الإطاحة برئيسها وبعدها الانقلاب على أول رئيس للدولة الجزائرية ثم تغيير رئيس منتخب بجماعة رئاسية ثم تعيين رئيس عن طريق الانتخابات إلى أن وصلنا إلى عهد صاحب الفخامة. أليست كل هذه التحولات على رأس هرم الحكم في الجزائر درسا أو دروسا في الديمقراطية جديرة بالاهتمام والاستفادة منها؟ أسمع صديقي الذي يتابع ما أكتب يضحك محاولاً تذكيري أن ما جرى للحكومة المؤقتة كان انقلابا وأن بومدين اغتصب السلطة بعد انقلاب على بن بلة وأنّ الشاذلي جاء ليحكم الجزائر بقرار لا دخل له فيه وأن الجماعة انقلبوا عليه بعد ذلك دون أن يملك حجة يصمد بها أمامهم، وأن الجماعة قرّرت أيضا أن تنهي عهد الحكم الجماعي واختارت زروال لتولي المهمة قبل أن تنتهي فترة صلاحيته ويقع الاختيار على صاحب الفخامة الذي يصلح للمرحلة الجديدة ثم يتبين أن المرحلة التي تليها لا تزال بحاجة إلى عبقريته ولعل مهمة الإنعاش والإصلاحات لن تنهي عاجلا.. كلام صديقي هذا مغرض إلى حدّ بعيد، لم أكن أملك معه إلا أن أوقفه عند حدّه وأقطع حبل أوهامه بالحجّة والبرهان القاطع على أن ديمقراطيتنا أصيلة وديمقراطية وأن الأعداء قبل الأصدقاء يشهدون بذلك. نعم، لقد كان ما صنعه رفاق السلاح ضد الحكومة المؤقتة هو عين الديمقراطية، وبما أن الرفاق قالوا إنّ الحكومة المؤقتة لم تعد صالحة فلم يكن لأحد الحق في الاحتجاج لأنهم أدرى بما ينفع البلد وأهله من باقي كل الناس. ثم قرّر الزعيم الديمقراطي أن بن بلة لم يعد صالحاً فقرّر تصحيح الوضع غير اللائق وكان عنوان العملية الديمقراطية الجديدة (التصحيح الثوري)، ثم رحل الراحل وجيء بخليفته في واحدة من أهمّ التحولات الديمقراطية في المنطقة، وبعدها اقتضت الديمقراطية أن يذهب الشاذلي وتأتي الجماعة لتشرف على العهد الديمقراطي الجديد، وكان ضروريا وقتها أن يُحكم البلد بخمسة رؤساء مرة واحدة لأن القوى الرافضة للديمقراطية استقوت ورجل واحد لا يقدر على الإطاحة بها. انتهت مهمة قلع أهم جذور التجربة الشمولية التي سُميت زورا ديمقراطية، وحلّت مرحلة رئيس الدولة الذي تحول بعد عملية غسيل ديمقراطي إلى رئيس جمهورية كامل المواصفات بشهادة المراقبين العرب والعجم. ثم وصلنا إلى عصر الرئيس المختار بالإجماع والمنتخب بقوة الديمقراطية، وبما أن هناك من كان يعتقد أن هذه العملية لم تفرز إلا ثلاثة أرباع الرئيس فإن الحرص على الوصول إلى ديمقراطية صافية 100% اقتضى تنظيم انتخابات رئاسية أخرى شهد العالم أجمع أنها كانت قمة الديمقراطية حتى أن المختصين في القانون الديمقراطي صاروا يتهامسون أن التجربة الديمقراطية وصلت أقصى حدّ لها وبدأ التفكير جدّيا في التوقف فترة عن مثل هذه الإنجازات الديمقراطية ريثما يلحق المتخلفون وخوفا من حسد الإخوة والجيران وأصحاب الديمقراطيات العريقة. هل اقتنعتم الآن أن ديمقراطية موريتانيا لا تساوي شيئا أمام تجربتنا، وأنه إذا كانت هناك دروس يجب أن تُستخلص فلا بد أن تكون من المدرسة الجزائرية؟! موريتانيا عاشت منذ استقلالها انقلابا وراء انقلاب بينما نحن منذ خروج فرنسا لا نتوقف عن الإبداع في العمل الديمقراطي، حتى أن تجربتنا في الانتخابات صارت مطلوبة من جهات كثيرة، واسألوا مدير الانتخابات ومراقبة الحريات في وزارة الداخلية إن كنتم لا تعلمون! فقد نقلت عنه الخبر قوله إن التجربة الانتخابية الجزائرية صارت مطلوبة عالميا. هل يكفي هذا للمطبلين والمهللين للتجربة الموريتانية أم لا يزال عندهم شك؟! الحديث هذه الأيام عن أزمة أكياس الحليب في المحلات التجارية، هذا صار اهتمام الصحف التي تبحث عن إثارة الفتن والمشاكل في البلاد، لولا أن التلفزيون قائم بالمرصاد لصدّ كل الحملات التشهيرية، حيث سارعت إلى محاورة المسؤولين عن قطاع إنتاج ساشيات الحليب في وزارة التجارة وفي الهيئات المختصة وطمأنونا أن الحليب لم يرتفع سعره منذ آخر تعديل في 2001 وأن دولتنا الكريمة لا تزال تدعم سعر الحليب رغم أن سياسة الإنعاش الاقتصادي وبرنامج فخامته أوصلا شعبنا الطيب إلى قمة الادهار والتقدّم، يستاهل كل خير. الخزينة امتلأت عن آخرها بالدولارات وحسابات الشعب لم تعد تستوعب كل تلك الأموال النازلة عليهم والبنوك صارت ترفض فتح أي حساب لأي شخص لأنها لم تعد قادرة على تسيير المليارات التي أنعم الإنعاش بها على الجميع دون استثناء. ورغم كل ذلك فإن الدولة تصر على أن تبقي أسعار الحليب والسكر والخبز مدعمة لأنها تحب شعبها ولا ترضى له أن يشتكي من أي شيء. الصحف تتكلم عن ندرة حليب الساشيات والتلفزيون أتى بمن يؤكد أن سعر الحليب لا يزال مدعّما، هل سأل التلفزيون ممثلي الحكومة عن ندرة الحليب أم عن دعم الأسعار؟! وعلى ذكر الصحف استوقفني عنوان في كلام سوق الخبر يوم الأحد الماضي جاء كما يلي (الخبر تساهم في التخفيف من حدّة أزمة الحليب)، ومن دون التوقف عند ما يبدو تناقضا بين العنوان السابق والعنوان الرئيسي لنفس الصحيفة في عدد أمس الأربعاء القائل إن (أزمة الحليب تزداد تعقيداً)، فإنني أعود إلى العنوان الأول الذي جاء في نصه أن رئيس كوليتال بئر خادم قرّر رفع إنتاج الحليب بعشرين ألف لتر يوميا للتخفيف من حدّة الأزمة التي تعرفها الجزائر في هذه المادة الحيوية، وجاء هذا القرار في حضور الخبر، أي ممثلها في مكتب الوزير عندما اتخذ قرار رفع الإنتاج. وهنا لا يسعني إلا أن أطلب من إخوتي وأخواتي وزملائي في الخبر أن ينظموا غزوات إلى جميع مكاتب المسؤولين في كامل الإدارات المركزية واللامركزية حتى يساهموا في التخفيف من حدة الأزمات التي تصيب شرائح الشعب، فيحضروا مثلا في مكتب وزير النقل ليقرر إطلاق ميترو وتامواي العاصمة ويحضروا في مكتب وزير الأشغال العمومية ليقرّر فتح الطريق السيار شرق غرب أمام الناس ويحضروا في مكتب وزير السكن ليقرر حل أزمة السكن نهائيا ويحضروا في مكتب وزير البطالة ليقرر القضاء على هذه الظاهرة وإذا كان لديهم بقية من الوقت فلا بأس أن يحضروا في مكتب توني بلير ليقرّر تسليم رئيس عصابة الأشرار مومن خليفة إلى سلطات بلده ثم يحضروا في مكتب الخليفة ليقرر ردّ ما أخذه من الأموال إلى مستحقيها!