عندما سئل في السبعينيات العنصري الفرنسي جون ماري لوبان عن الرجل الذي يدين له بحياته، أجاب دون تردد أن اسمه بوعبدة الزايدي، دون ان يقول الجزائري او العربي او المسلم، وهو الذي أنقذ حياة لوبان في حرب الفيتنام، وكان ذلك في معركة ضارية أصيب فيها لوبان، ولولا عمي الزايدي لكان في عداد الموتى . السيد الزايدي بوعبدة الذي بلغ اليوم 86 سنة يقطن ببلدية عين أزال الواقعة جنوب ولاية سطيف، سألنا عنه فوجدناه متكئا على جدار منزله، ودون مقدمات راح يروي لنا حكايته مع الرئيس السابق للجبهة الوطنية الفرنسية لوبان، حيث كان الزايدي من الجزائريين الذين جندتهم فرنسا كرها للمشاركة في حرب لاندوشين، فوجد نفسه سنة 1954 جنديا في كتيبة يقودها جون ماري لوبان الذي كان يومها برتبة ملازم . وفي إحدى المعارك الساخنة بمنطقة تسمى لامدين، كان إطلاق النار محتدما بين الطرفين، فأصيب لوبان إثر انفجار قنبلة يدوية ألقاها أحد الجنود الفيتناميين فسقط لوبان أرضا بعدما أصابته الشظايا في عينه التي لا زال يشكو منها إلى يومنا هذا. وبينما استسلم لوبان للموت، تدخل المجند الجزائري الزايدي وراح يطلق النار بسلاحه الى ان اقترب من لوبان وحمله على كتفه، وتمكن من إخراجه من ساحة المعركة فتلقى الإسعافات ونجا من الموت بفضل عمي الزايدي الذي يروي لنا يومياته مع لوبان فيقول بأنه على رأس الكتيبة، لكنه اشتهر يومها بجبنه وخوفه من المشاركة في الحرب، وبلغ به الأمر حد البكاء، وكان دائما يتجنب الصفوف الاولى اثناء المعارك ويفضل الرجوع الى الخلف، وبالمقابل يدفع الجزائريين والمغاربة الى مواجهة الفيتناميين والوقوف في مقدمة الفيلق، ويقول الزايدي: كنت أشجعه، وفي كل مرة أهدئ من روعه، كما كنت أعطيه النصائح في تطبيق الخطط الحربية، وأصحح له العديد من الأخطاء التي اثبت لنا من خلالها انه لم يكن يجيد أبجديات الحرب والقتال . يذكر عمي الزايدي أن لوبان لم يعمر طويلا في الفيتنام، فبعد إصابته في عينه وإنقاذ حياته، تلقى الإسعافات وعاد الى فرنسا . وفي الثمانينيات لما أجرت إحدى القنوات الفرنسية حوارا مطولا مع لوبان، ذكر الحادثة بتفاصيلها وصرح بأن هناك رجلا اسمه بوعبدة الزايدي أنقذ حياته وتدخل ببسالة وأخرجه من ساحة المعركة، وختم كلامه قائلا: أتمنى أن ألتقي بهذا الرجل في يوم ما. لكن الأمر ليس بنفس الحفاوة بالنسبة لعمي الزايدي الذي يقول بأن لوبان أصبح رجلا عنصريا يكره الجزائريين والعرب والمسلمين بالرغم من انه لم يكن كذلك أثناء معاشرته في الفيتنام. وإذا كان البعض يلقي باللوم على الزايدي لإنقاذه لحياة لوبان وقالوا له: ليتك تركته يموت، يقول بوعبدة: لقد تصرفت يومها كجندي وكإنسان، ولم أكن أعلم يوما ما بأنه سيتحول إلى هذه الشراسة .