رسَمت لعبة كرة القدم من خلال منافسة كأس العالم الدائر "رحاها" حاليا في روسيا، الصورة الحقيقة لأمة ترعد ولا تمطر، وتدخل الحروب ولا تخرج، وتعلك جلود البلاغة علكا ولا تهضم، على حدّ تعبير الشاعر الراحل نزار قباني في قصيدته الشهيرة "متى يعلنون وفاة العرب". فكيف نفسّر علك قصائد من الافتخار طوال أشهر، عن تواجد أربعة منتخبات عربية في الموعد الكروي العالمي، ليتضح مع مرور الدقائق الأولى من المنافسة بأن البيت المزعوم كان مُنجَزا برمال البحر، فانهار مع أول موجة عابرة من بلاد أورغوايوروسيا والبرتغال وإنجلترا وإيران، فكانت كل مباراة يخوضها منتخبٌ عربي، مجرّد مسافة "كرونومترية" تنتهي بخاسر واحد، يتغيّر اسمه ولا يتغيّر لسانه، ولم تمض الجولة الثانية من الدور الأول للمنافسة، حتى تساقطت المنتخبات العربية مثل أوراق الخريف في صيف روسيا الحار، فأحرقت قلوب شعوب تأكَّد بأنها خسرت كل معارك الجدّ في ميادين العلم والتكنولوجيا والاقتصاد، فبحثت عن السعادة في "الجلد المنفوخ" ولم تجدها. وعندما يفتخر المصريون الذين ناهز تعداد شعبهم المائة مليون نسمة وعمر حضارتهم عشرات القرون، بخسارة بلادهم التي يقرنون ذكر اسمها ب"أمّ الدنيا"، أمام بلاد أورغواي، التي لا يزيد تعداد سكانها عن الثلاثة ملايين نسمة، وتعجز السعودية بأموالها وشغف شعبها بلعبة كرة القدم، عن السير على نهج المكسيك وإيسلندا والسنغال وكرواتيا وصربيا، وتخرج جميعها قبل انقضاء مدّة الصلاحية في الدور الأول، وتعجز عن تحقيق أي تعادل وأي نقطة وأي هدف من نسج تكتيكي عادي، في بطولة انتصرت فيها وسجلت كل الأمم من دون استثناء، فمعنى ذلك أننا نعيش "ربيعا" عربيا في اللعب، لا يختلف عن "الربيع" الذي دمّر الماضي والحاضر ورهن المستقبل. الانهيار الكروي المريع الذي ضرب بلاد العرب بعد سبع هزائم متتالية، وما صاحبه من خيبة أمل شعبية وعُقد نفسية، وقرصنة تلفزيونية وتقاذف إعلامي، بلغ درجة التخوين والتجريم والشكوى لدى الهيئات الدولية، والثورة والشتيمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يبيّن بأننا بعيدون عن مستوى مقارعة كل البلدان المترامية في مختلف القارات في كل المجالات باستثناء الفِتن التي قصمت ظهر العراق وسوريا وليبيا والسودان ولبنان، فصار لدِيننا الحنيف عدة مذاهب تدعو للموت، ولجغرافيتنا عدة مواقع لا يدخلها إلا من يحمل رشاشا، ولتاريخنا عدّة قراءات لا يؤمن بها حتى من خطّها، ولأموالنا وِجهات دون الوجهة السليمة، ولأبنائنا حاضرٌ من دون ماض ولا مستقبل. في منافسة كأس العالم في روسيا، غابت الولاياتالمتحدةالأمريكية، ولكنها لعبت وفازت بتنظيم دورة 2026، وغابت إسرائيل ولكنها تحضّر للمشاركة في دورة 2022 في قطر، لتُسمِع نشيدها، وترفع علمها، وترسل مناصري منتخبها الكروي بالآلاف إلى الدوحة من أجل لعب الكرة والسياسة والثقافة والاقتصاد في ضربة واحدة، وفي المقابل تلعب المنتخبات العربية وتخيب، ومعروف لدى علماء النفس بأن الطفل الذي لا يتقن اللعب، على مستقبله مع عالم الجدّ.. ألف سلام!