صدرت خلال السنوات الماضية والتي لا تزال إلى اليوم تصدر، عديد الأعمال التاريخيّة والأدبية حول مدينة تقرت، ونظرا لما حوته من تحريف وتشويه ومغالطات ألحقت بالغ الضرر بتاريخ المنطقة وأهلها، فقد بادر الأستاذ أحمد خوضر بتأليف كتاب مميّز لسدّ ذلك الفراغ وتصويب تلك الأخطاء المعرفيّة. و في مقدمة كتابه "تقرت..الأسطورة والحقيقة والمغالطات"، الصادر حديثا عن دار الخلدونيّة، يوضّح المؤلف أنّ "تقرت" حسب تلك الكتابات، ليست إلا مدينة أسسها البربر، وحكمها بنو جلاب، وتركيبة من السكان تفننت تلك الكتابات في تقدير أهميتها، وترتيب تاريخ تواجدها ثم تنتهي جميعها إلى الحضْرة وقبور الأولياء وبعض الأكلات الشعبية. ثمّ يكشف "أحمد خوضر" حسب النتائج التي انتهى إليها في أبحاثه المعمّقة، أنّ أكبر الغائبين والذين لا ذكر لهم في تلك الروايات هو مدينة تقرت البربرية، أو تقرت القديمة كما كان يطلق عليها في الماضي، بل الأدهى من ذلك أنه سُجل غيابها حتى في مواعيد أقرب، مثل عند احتلال الفرنسيين للمدينة، وما جرى خلال معركة مقارين وبعدها، إذ لا تحتفظ الذاكرة المحلية بأي تفاصيل عنها، وأن جل ما كُتب حول تلك المرحلة كان نقلا عن روايات وكتابات أجنبية، فما بالك لو أوغلنا في التاريخ وخضنا في أمور من قبيل أن تقرت حاضرة رومانية كما جاء في بعض الكتب، أو أنها منذ القديم كانت خط دفاع الصحراء الأول، أو أنها كانت تفرض على الحفصيين حضور سلطانهم بنفسه كي تسلمه يدا بيد الضرائب المفروضة عليها، أو أنها جعلت من حملة صالح باي عليها سنة 1788 فشلا بكل المقاييس، أو أنها كانت ملتقى لأكبر تجمّع للقوافل التجارية في كل شمال إفريقيا. كما سُجل تخلف نفس تلك الروايات عن ذكر أن بني جلاب أسرتان وليسوا أسرة واحدة، وأن تقرت في أصلها بربرية وفي مراحل لاحقة أصبحت عربية بدوية، وأنها كانت خلال تمرد سنة 1870 في مخططات محي الدين بن الأمير عبد القادر وبن ناصر بن شهرة وسلمان الجلابي النقطة التي سيبدأون تحرير الجزائر منها، وأن جماعة من أهلها تجندت مع الشريف بوشوشة، وسارت معه نحو الجنوب الكبير ثم واصلت بعد القبض عليه الجهاد في جيش المدقنات، وفق التقصّي الدقيق للكاتب. ولذلك فإنّ هذا الكتاب يحوي معلومات تكتب لأول مرة باللغة العربية، وحقائق تعتبر ثورة على كل ما يُردد ويُقال حول تاريخ المدينة، حقائق مستقاة من مئات المصادر والمراجع، والتي يعود أغلبها إلى فترة الاحتلال الفرنسي وحتى قبل ذلك، كتابات مكنت المؤلف من جمع باقي الأحجية، والتي سيكتشف من خلالها أهالي تقرت أنهم كانوا يعيشون في مدينة يجهلون الكثير من الحقائق عنها.