سلمية.. سلمية.. كلمة أصبحت خلال الحراك الشعبي الذي بدأ يوم 22 فيفري الماضي، ضد العهدة الخامسة للرئيس المستقيل عبد العزيز بوتفليقة، شعارا يتردد في كل مسيرة، فأضحى صفة وسلوكا حقيقيا أذهل العالم، وبات راية سلام مرفوعة فوق رؤوس المتظاهرين.. لكن هذه السلمية لا تخدم الجميع، فهناك أعداء لها يحاولون بكل الوسائل والطرق خدش صفائها وتلويثه والعبث في مساحتها الهادئة المتناسقة. أعمال الشغب التي شهدتها بعض المسيرات وخاصة خلال الجمعة الثامنة للحراك الشعبي، وبعض السرقات والاعتداء والتحرش، وإن كانت تأتي مع نهاية المسيرة، تبقى مصنفة في خانة “سلوكات شاذة”.. هي لبلطجية وموالين لبعض رجال أعمال فاسدين، ومنحرفين، ومدمني مخدرات، حاولوا مسح “السلمية” والإطاحة بها، ففضحهم الهاتف النقال بكامراته وآلة تصويره. شباب الحراك أثبتوا فعلا أنهم قوة يقظة وأنهم فئة رقمية اقترنت بوعي وصحوة وأخلاق، فأبوا ألا يلطخ بياض “السلمية” بسواد”الفوضى”، وساعدهم في ذلك الهاتف النقال الذكي الذي كان سلاحا حادا محمولا ضد كل سلوك أو تصرف من شأنه إفشال ثورة من أجل التغيير إلى الأحسن. عشرات الصور والفيديوهات تشاركها شباب الحراك الشعبي عبر منصات التواصل الاجتماعي، لمحاولات سرقة واعتداء وأعمال شغب وتجاوزات لبعض الأشخاص، وسلوكات مرفوضة أخلاقيا، وبعض الشعارات والرموز الدخيلة، والتصرفات الشاذة وكل ما يسيء إلى المسيرات السلمية، التقطت بالهواتف الذكية “سمارت فون”، من طرف من يسهرون على بقاء “السلمية” شعارا لثورة شبابية صحبتها ثورة رقمية. وفي هذا السياق، أكد خبير المعلوماتية، الدكتور عثمان عبد اللوش، أن ثورة الشارع أو ما يعرف اليوم بالحراك الشعبي الجزائري، فجرها شباب الرقمية الذين تفوقوا على المسؤولين والوزراء في السلطة، وهم أغلبهم لديهم مستوى ثقافي، وخريجو الجامعات لم يلتفت إليهم فعرفوا كيف يستغلون الرقمية خاصة الهاتف الذكي و”الفايسبوك”. وقال عبد اللوش إن الحراك الشعبي عرف جرأة رقمية شبابية ممزوجة بروح الوطن، حيث تم التحكم في سلمية مسيرات الجمعة من خلال المطالعة المستمرة والتطبيق الفعلي للتكنولوجيا خاصة المتعلقة بالهاتف”سمارت فون”، هذا الأخير، وحسب عبد اللوش، أصبح سلاحا ضد ما يعرف ب”الذباب الإلكتروني”، وضد أشخاص موالين للنظام القديم وبعض رجال الأعمال الفاسدين. ودعا إلى تثمين جهود الشباب خاصة الذين استطاعوا التحكم في العالم الرقمي، والذين التقطوا صورا وفيديوهات خلال المسيرات الشعبية، وأعطوا نظرة رائعة للحراك، وقال إن محاربتهم للفساد والمفسدين ومطاردتهم بالهاتف النقال كل من يحاول زرع الفوضى وسط المتظاهرين، هو تسهيل لعمل رجال الأمن الذين لا يبقى عليهم إلا أن يتحروا الحقيقة وراء هذه الصور والفيديوهات. وقد أطلق الدكتور عبد اللوش، خبير المعلوماتية، اسم “القضاء الإلكتروني” على ما يقوم به شباب الحراك الشعبي، من مبادرات جريئة تكشف الفساد والمفسدين، واللصوص، والتجاوزات اللاأخلاقية، وغيرها من قضايا الجريمة، ولأن القانون الجزائري يأخذ بالدلائل والمعلومات الرقمية كأحد الأدلة القانونية، فإن على الجهات الأمنية وعلى مستعملي الهاتف النقال في رصد الجريمة خلال الحراك الشعبي، العمل معا والتنسيق لتسهيل الوصول إلى حقيقة هؤلاء الذين يزرعون الفوضى سواء لأغراض شخصية أم لجهات معينة. وأكد عبد اللوش أن استغلال الهاتف النقال الذكي في الجانب الخيري خلال مسيرات المطالبة بالتغيير ليس معناه أن كل الشباب الجزائري يعرف جيدا التكنولوجيا حيث إن المطلوب اليوم، حسبه، هو إعادة المنظومة التربوية النظر في البرامج والالتفات إلى الرقمية، والاهتمام أكثر بمادة الرياضيات والتشفير حيث لا يزال الجزائريون يحتاجون إلى 15 سنة كاملة للتكوين في التكنولوجيا. الحراك الشعبي أفرز إعلاما غير ديماغوجي منفتحا على الجماهير في السياق، قالت نجمة زراري، أستاذة في المدرسة العليا للصحافة وعلوم الإعلام، إن وسائل التواصل الاجتماعي ك”الفايسبوك” عرفت انفتاحا على الجماهير مباشرة، وذلك باستعمال الهاتف الذكي، وهي التي حافظت على المسار السلمي، وكسرت الخط الإعلامي لدى الكثير من القنوات التلفزيونية والجرائد، ولكن يجب حسبها، أن يذهب هؤلاء المتظاهرون الذين يلتقطون صورا وفيديوهات لبعض التجاوزات، والممارسات المرفوضة خلال الحراك الشعبي، مباشرة إلى مراكز الأمن حتى يصبح أدلة ملموسة يعرف مصدرها للمتابعة المجرمين والدخلاء في المسيرات السلمية. وأوضحت أن هناك صورا وفيديوهات ومعلومات للحراك الشعبي تشاركها الجزائريون عبر منصات التواصل الاجتماعي، ليس حقيقة بالضرورة وهي تسيء إلى بعض الأشخاص، وقد تساهم في زرع الفتنة وتغليط الرأي العام، حيث إن التعامل معها بذكاء هو المطلوب اليوم، كما أن أمام الجهات القضائية والأمنية تحقيقات فعلية لمعرفة الأيادي الخفية وراء الذباب الإلكتروني الذي يحاول نزع صفة السلمية عن الحراك الشعبي. وقالت الأستاذة زراري إن الرقمية أفرزت إعلاما غير موجه في نقال الأخبار، ولا يخضع لديماغوجية معينة أو زاوية تناول للمواضيع ولا سياسية معينة من طرف جهة ما، حيث عمل الهاتف النقال كإعلام مواز ودون إيديولوجية، وهو إعلام مواطن ينقل الحقائق والسلوكات والصور وكل ما يحدث في الحراك ويتعلق به، فيه الكثير من المصداقية وزوايا مختلفة للمعلومة. ودفع إعلام المواطن الذي سلاحه ووسيلته الهاتف الذكي بالإعلام المؤسساتي، حسب الأستاذة نجمة زراري، إلى مواكبة هذه الحقائق الموجودة في الحراك الشعبي، والاندماج في المسيرات. وحذرت من التفاعل العاطفي مع المعلومات التي تتداول عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة تلك التي تذكر أسماء الأشخاص وتسيء إليهم. الهاتف الذكي سلاح ذو حدين.. والمطلوب خلايا يقظة في الحراك من جهته، دعا المحامي حسان براهمي، إلى تثمين مبادرة شباب الحراك الذين يستغلون هواتفهم في رصد السلوكات والتصرفات التي تصدر من أشخاص يحاولون نشر الفوضى وتخريب الممتلكات العمومية والخاصة والاعتداء على المتظاهرين، وذلك بالتنسيق مع مصالح الأمن. وقال إن صاحب الهاتف الملتقط للصور والفيديوهات خلال الحراك يعتبر شاهدا على بعض التجاوزات، والجرائم وعلى هذا يجب أن يتقدم إلى مركز أمن قريب والتبليغ عن الجريمة مع تسليم الأدلة للشرطة. وحفاظا على استمرار السلمية، حسب براهمي، فإنه من الضروري وجود خلايا يقظة تعمل خلال المسيرات على المراقبة والترصد لكل شخص دخيل يريد أن يستغل الظرف في القيام بتصرفات وسلوكات مرفوضة، وهذه الخلايا هي لشباب يتحكمون حسبه، في استغلال التكنولوجيا. وأوضح المحامي حسان براهمي أن اليقظة هي من تكشف لمصالح الأمن ورواد منصات التواصل الاجتماعي، الصور والفيديوهات المفبركة، إذ اعتبر أن الهاتف النقال أصبح جزءا من حياتنا ووسيلة لارتكاب وكشف الجرائم، وهو السلاح الذي رفع خلال الحراك فما على الذين يريدون الحفاظ على سلمية المسيرات الشعبية إلا تقديم الأدلة الملتقطة بهواتفهم مباشرة إلى مراكز الشرطة.