أصبحت الدروس الخصوصية أو سمّها كما شئت، دروس تقوية أو دعم، لا يهمّ المسمى، لكن ما يهمنا هي الظاهرة في حد ذاتها والتي انتشرت وصارت واقعا مرّا ومؤشرا لضعف الطلاب وجشع بعض الأساتذة. وضع دفع الأغنياء والفقراء إلى اللجوء إلى الدروس الخصوصية، وأصبحت العائلات تحرم نفسها لتوفر ثمن الدرس حتى تهرب من شبح سقوط ابنها في فخ الرسوب نهاية السنة. العائلات لم تعد قادرة ماديا، خاصة التي لديها أكثر من متمدرس، لأنها تخصص أغلب ميزانيتها للدروس التي يصل بعضها من 5 آلاف إلى 10 ألاف دج شهريا بمعدل حصة في الأسبوع. هذه الظاهرة التي لم تعد غريبة عن مجتمعنا، فكل من هب ودب أصبح معلم أجيال. كل شيء مباح للحصول على المال والتلاميذ يدرسون في أماكن غير صالحة للحياة، وفي الشتاء من التدفئة لتتحول قاعة الدرس إلى ثلاجة، ونظرا لأن تلك الأماكن مغلقة تعمها روائح كريهة، وجدنا أحد الأولياء يوصل ابنته في السنة الأولى متوسط لتلقي درس في الرياضيات، فأكد لنا أن المكان لا يتوفر على مرحاض، ما دفع الأطفال لقضاء حاجاتهم في الأحراش القريبة، ونظرا لغياب أدنى شروط النظافة والتهوية الجيدة، أصيب بعض الصغار بأمراض الحساسية والأمراض المعدية. إعلانات بالعشرات على واجهات المحال التجارية والجدران وسط المدن من دون رادع، عن أستاذة نظاميين مختصين في تدريس المواد الأساسية وبعضهم عاطلون ومنهم من لا يتعدى مستواه السنة النهائية. تلاميذهم في الصف والمسجلون عندهم في حصص الدروس الخصوصية وتضخم نقاطهم، ويعاملون معاملة متميزة مما يجبر الأولياء الآخرين على تسجيل أبنائهم مع أستاذ بعينه ليتحول كشف النقاط في الفرض والتقويم من 7 إلى 17 والطالب الكسول إلى مجتهد. الغريب أيضا أن الدروس الخصوصية أصبحت مهنة من لا مهنة له، يكفي وجود فضاء شاغر.. غرفة النوم، شرفة أو حتى المطبخ يفي بالغرض، لعرض البضاعة التي تجلب الملايين في الشهر. أصحاب شهادات التخرج تحولوا دون الانتساب إلى وزارة التربية والتعليم إلى أساتذة، فصاحب شهادة علم الاجتماع يدرّس عشرات التلاميذ الفرنسية والإنجليزية واللغة العربية، وصاحب شهادة الفيزياء يدرّس التاريخ دون الرجوع إلى المنهج المسطر من الوزارة ويثبت فشله بكل امتياز. أساتذة كانوا وهم في عملهم يتمنون التقاعد، وحينما تقاعدوا عادوا للتعليم من باب دروس الدعم، لأن ثمن الحصة الواحدة يصل شهريا إلى ألف دج، البعض بنوا بيوتا واشتروا سيارات وزاروا بيت الله الحرام بهذه الطرق غير القانونية. الآباء يصرخون جراء العبء المادي في ظل الظروف الاقتصادية المزرية، وحتى تلميذ السنة الأولى ابتدائي محتاج لدرس دعم في الخط والرياضيات، وبدلا عن الجملة الشهيرة التي كنا نقرأها في كتب السنوات الإبتدائية “عمر يذهب إلى المدرسة”، تحولت إلى عمر يذهب إلى الدرس الخصوصي قبل المدرسة، ويبقى السؤال أين الخلل؟ والإجابة عجز عنها أخصائيو التربية والتعليم، والنتيجة المراتب الأخيرة التي يحتلها التعليم في الجزائر بكل أطواره، في التصنيفات العالمية.