دعا وزير المالية، أيمن بن عبد الرحمان المتعاملين الاقتصاديين والأسر، إلى الادخار وإدراج أموالهم، مهما كان حجمها بالبنوك والمؤسسات المالية، دون أن يسألوا "من أين لك هذا؟"، فيما أكد أن الدولة تعمل على استعادة الثقة المفقودة بينها وبين المواطن، بتقديم جميع الضمانات. وأكد الوزير في حوار له مع "الشروق"، أن إصلاحا عميقا وجذريا سيعرفه قطاع المالية بجميع فروعه، وسيرافقه اعتماد الرقمنة لقطع دابر الفساد، مؤكدا أن الدولة عبر بنوكها مستعدة لتمويل الاسثمارات ذات المردودية الاقتصادية الخلاقة للثروة، فيما استبعد كلية تغيير العملة الوطنية لعلاج قيمتها المتدهورة، ذلك لأنه ينظر إلى أن تعافي قيمة الدينار يكفله اقتصاد قوي وتنافسي. الجزائر سيدة قراراتها الاقتصادية والمالية وزير المالية في أول حوار تلفزيوني له عشية الخميس، أكد في حوار "للشروق نيوز" أن الوضع المالي للجزائر يجعلها في مأمن من أي خطر، ذلك لأنها سيدة قراراتها الاقتصادية والمالية، مطمئنا الجزائريين أنه لا مساس بأجور الموظفين ولا مخصصات الدعم الاجتماعي التي وصلت قيمتها 1797 مليار دينار، التي قال إن غياب الآليات أجل الذهاب نحو الانتقائية، وإقرار العدل في الدعم الاجتماعي حتى لا يتساوى المحتاج مع الميسور الحال في دعم الدولة. التمويل مضمون للإستثمارات ذات المردودية وأكد ضيف حصة "بوضوح" أن الوضعية المالية للبلاد تسمح بتمويل جميع الاستثمارات ذات المردودية الاقتصادية، داعيا مكتنزي الأموال خارج الدوائر الرسمية إلى التقدم للبنوك لإيداع أموالهم، والمساهمة في ضمان حركة مرنة لرؤوس الأموال، وقال إن الدولة توفر كل الضمانات لتسهيل العملية، بداية من إسقاط مبدأ "من أين لك هذا؟" وصولا بضمان إيداع في مقابل أذونات بنكية في مقابل فوائد أو بدونها، ولمدة تتراوح بين 30 الى 60 شهرا، وذلك كآلية من آليات استقطاب أموال السوق الموازية. كما كشف الوزير عن تعزيز المحافظ البنكية بمنتجات جديدة أي قروض جديدة موازاة مع اعتماد البنك الوطني الجزائري شهر أوت القادم تعاملات بنكية، وفق الشريعة الإسلامية بصفة رسمية، لأول مرة في تاريخ الجزائر، مشيرا بأن هذه الصيغة التي ستمثل أحد روافد تموين البنوك، ستوفر 8 صيغ للتعامل منها القروض الاستثمارية والمرابحة، وذلك وفقا للنص القانوني الصادر في الجريدة الرسمية، والذي وقعه الوزير عندما كان يشغل منصب محافظ بنك الجزائر. بن عبد الرحمان بدا متحمسا للصيرفة الإسلامية، وقال إن خبراء جزائريين هندسوا لإرساء الصيرفة الإسلامية بماليزيا ولندن، وطمأن المتعاملين والأسر أن البنوك التجارية التي ستطرح المنتجات المالية، وفق الشريعة الإسلامية، ستعمل بالتنسيق مع المجلس الأعلى الإسلامي، الذي سيتولى التكفل بالجانب الشرعي، في دراسة الملفات التي ستحال عليه. وفي سياق الحديث عن واقع المنظومة البنكية، وعدم انتشارها بالخارج، قال الوزير إن القطاع المصرفي بحاجة إلى إصلاح واسع، معترفا أنه يعاني مشكلا عميقا يستحيل الوصول به الى الشمول المالي، لأسباب لخصها في ضعف الشبكة البنكية، وغياب الحوكمة في التسيير، والنظام المحاسبي، الأمر الذي جعل البنوك الجزائرية متخلفة، ليس مقارنة بدول متقدمة فقط، بل وحتى بدول جارة، مشيرا إلى ضرورة إعادة النظر في توازن الشبكة البنكية، واعتماد الحكومة في التسيير وغيرها من الإصلاحات. ورغم حاجة المنظومة البنكية لإصلاح، إلا أن بن عبد الرحمان دعا المتعاملين والراغبين في خوض المجال المالي الى إنشاء بنوك خاصة، مؤكدا أنه لا يوجد أي عائق قانوني أو موضوعي لفتح بنوك برساميل خاصة، وما على الراغبين في ذلك سوى إيداع ملفاتهم لدى مجلس النقد والقرض للحصول على الاعتماد، في توجه واضح للاعتماد على السوق المالية الداخلية لتعويض تراجع موارد الدولة، وأوضح بأن التجارب السابقة "شاذة" ولا يقاس عليها، لأن الإرادة الحقيقية لم ترافق ذاك المسعى عكس اليوم. وعن نقص السيولة بمكاتب البريد، اعتبر الوزير أن ما تعانيه مراكز البريد هو نتيجة نذبذب، وليس نقصا في السيولة المالية، نتيجة تراجع النشاطات الاقتصادية المتأثرة بالأزمة الصحية، مشيرا إلى أن لجنة خاصة تجمع بريد الجزائر وبنك الجزائر لتغطية أي نقص في التموين، داعيا المواطنين إلى استعمال بطاقات الدفع الإلكتروني، للمساهمة في التخفيف من وطأة التذبذب. وعن ملف تقييم مخلفات أزمة كورونا، أكد الوزير أن عملية التقييم مستمرة، بعدما تم الاستماع لجميع المقترحات، وعمليات تعويض المتضررين من صغار التجار والحرفيين قريبا جدا، على حد تعبير الوزير، الذي ذكر أن الجزائر تكفلت بتعويض مباشر للمتضريين، وليس عبر قروض مضمونة، مثلما اعتمدته بعض الدول. في الشق المتعلق بالإصلاح الضريبي، والتخفيف من الضغط الجبائي، والذي كان محور جلسات وطنية بداية الأسبوع الماضي، قال إن إصلاح القطاع وإعادة هيكلته وتزويده بمديرية عامة للرقمنة ستنهي عهد التهرب الضريبي، مؤكدا أن التوجه العام لرئيس الجمهورية يؤكد على توسيع الوعاء الضريبي، ليشمل نشاطات مستثناة من دفع الضريبة في الوقت الراهن، رغم عائداتها، دون رفع الضرائب، مؤكدا أن جلسات الإصلاح الجبائي خرجت بتوصيات ستطبق. باقتصاد قوي سيسترجع الدينار قيمته أما بخصوص ضعف قيمة العملة الوطنية، قال الوزير "إن الحل يكمن في تقوية الاقتصاد، وعندما نتمكن من إرساء اقتصاد قوي تنافسي، ستصبح العملة الوطنية قوية بصفة تلقائية، ولا حل لهذه الوضعية سوى العمل على جبهة تقوية الاقتصاد، لا بالتفكير في تغيير العملة أو بأي حل ترقيعي آخر، ذلك لأن القيمة الحقيقية للعملة الوطنية تكمن في قوة اقتصاد الدولة". أما بخصوص السوق الموازية للعملة وغياب الصرفات القانونية، أكد محدثنا أن مصالحه تعمل على الملف، والمشكل سيحل عبر نصوص قانونية سيتم الكشف عنها قريبا، وستؤدي بالضرورة الى اضمحلال السوق الموازية سواء تعلق الأمر ب"السكوار" في العاصمة، أو باقي الأسواق المنتشرة بالعواصم الجهات الأربع للبلاد.