انقضى شهر أكتوبر ولايزال مصير المبادرة الجزائرية الرامية إلى جمع فرقاء الأزمة الليبية غامضا، ما يؤكد حجم التشويش المركز على هذه المبادرة من قبل قوى إقليمية ودولية. وكان قدم في البداية تاريخ ال13 من الشهر الجاري كموعد لعقد اللقاء، ثم قدم موعد ثان في ال18 من الشهر ذاته، قبل أن يضرب موعد ثالث لنهاية الشهر، غير أن أكتوبر لم يتبق منه غير ثلاثة أيام فقط، وليس هناك موعد في الأفق. وجاءت زيارة وزير الخارجية المصري، سامح شكري إلى الجزائر، نهاية الأسبوع المنصرم، لتؤكد أن هناك شيئا ما يحدث خلف الجدران المغلقة، يكون قد حال دون انعقاد اجتماع الجزائر، الذي سبق الكشف عنه من قبل وزير الشؤون الخارجية، رمطان لعمامرة، لكن من دون أن يقدم موعدا محددا لذلك. ويكشف التصريح الذي أدلى به رئيس الدبلوماسية المصرية بعد فراغه من زيارته للجزائر، أن القاهرة لم تكن تنظر بعين الرضا للمبادرة الجزائرية، التي برمجت جمع كافة فرقاء الأزمة الليبية على طاولة واحدة، بغض النظر عن توجهاتهم السياسية، بشقيها الموجود في بنغازي، الموالي للقاهرة، والموجود في العاصمة طرابلس، المعروف بخلافه مع النظام المصري. وعلى العكس من ذلك، ترى السلطات المصرية أن قادة المؤتمر (البرلمان التأسيسي المنتهية عهدته) والثوار الذين يسيطرون على طرابلس وأغلب مناطق ليبيا المنضوون تحت لواء ما يعرف "فجر ليبيا"، هم جماعات خارجة عن القانون، يتعيّن إقصاءهم من أي حوار يتناول مستقبل ليبيا، فيما تعتبر كل من الجنرال المتقاعد خليفة حفتر، الذي يقود ما يعرف ب"عملية الكرامة" والبرلمان الذي يتخذ من مدينة طبرق في أقصى الشرق الليبي مقرا له، هما محور الشرعية، ومن ثم يجب اقتصار أي مبادرة عليهم ومن دون مشاركة غيرهم. ويعزز هذه القراءة، المعلومات التي أوردتها وسائل إعلام أمريكية، لكن سرعان ما نفتها القاهرة، والتي تحدثت عن قيام طائرات مصرية بضرب مواقع ميليشيات مسلحة هزمت قوات الجنرال خليفة حفتر وأعاقتها في السيطرة على بنغازي وعلى العاصمة طرابلس. غير أن السلطات الجزائرية وحرصا منها على إنجاح مبادرتها، قررت عدم إقصاء أي من الفرقاء السياسيين والعسكريين في ليبيا، وهو ما لم يعجب السلطات المصرية، التي قررت، حسب بعض المصادر، الضغط على الحكومة والبرلمان اللذان يتخذان من مدينة طبرق في أقصى الشرق، مقرا لهما، حتى لا يشاركا في لقاء الجزائر، ولعل ما يعزز من هذه القراءة، التصريح الذي أدى به رئيس الوزراء الليبي، عبد الله الثني عندما زار مصر قبل نحو أسبوعين، والذي أكد فيه أن الحكومة الليبية لم تتلق أية دعوة من الجزائر للمشاركة في الحوار، في الوقت الذي أعلن فيه الطرف الآخر، الذي يعتبر رئيس حزب الوطن الليبي، عبد اللطيف بلحاج، من أبرز وجوهه، ترحيبه بالمبادرة الجزائرية. ويرى محللون أن الجزائر أخطأت في الكشف المبكر عن مبادرتها قبل أن تحسم الأمر مع كافة فرقاء الأزمة الليبية، وهو ما أعطى الوقت الكافي لبعض القوى الإقليمية كي تضع العصا في العجلة، غير أن الفرصة لاتزال قائمة أمام إنجاح مبادرتها إذا تعاملت ببراغماتية مع الطرف المصري الذي يعاني من أزمة غاز خانقة، لا يمكن أن حلها إلا بإرادة جزائرية.