لا تزال فرنسا تحمل فكرا إجراميا واستعماريا، ينمّ عن الاستعلاء والغطرسة عندما لا تعترف بجرائمها وتصرّ على تمجيد حقبتها السوداء في الجزائر، وهذا الإصرار يدلّ على عدم النضج الإنساني للدولة الفرنسية وساستها، كما يدل على تخلفها في مجال حقوق الإنسان والاعتراف بحقوق الآخر، وهو ما يسقط شعارات قيمها الإنسانية في الماء. ليس العيب في فرنسا، ولكنه في سلطتنا الفاقدة للسيادة على قراراتها السياسية ومواقفها التاريخية؛ ففرنسا تمجّد تاريخها في الجزائر بقانونها المشؤوم سنة 2005، إلأّ أن السلطات الجزائرية تتحمّل المسؤولية الكاملة عن سحب "قانون تجريم الإستعمار" سنة 2009، بدعوى الحفاظ على مصالح الجزائر في فرنسا وخصوصية العلاقة الاستثنائية بين البلدين، وهو يدلّ على خيانة رسالة الشهداء ودمائهم. فرنسا تدعونا للنظر إلى المستقبل والتحرّر من العُقد التاريخية وترك المسألة للمؤرّخين، ولكنها في الوقت نفسه لا تتردد في تسييس الماضي بتمجيد تلك المرحلة، وتصرّ على العبث بتاريخنا عندما لا تعترف بحقّنا في الأرشيف ولا تمكّن المؤرخين من قول كلمتهم فيه. فرنسا تريد تسريع العلاقات الاقتصادية والسياسية لصالحها، وفي نفس الوقت تريد اغتيال الحق التاريخي وتخفيض السرعة في مسألة الحقوق المتعلقة بها، فهي التي تعاني من العقدة التاريخية وتعجز عن التحرّر منها، وسيبقى الضمير الإنساني يؤنّبها مدى الحياة. لماذا تطالب فرنساتركيا بالاعتراف بالمجازر المزعومة ضد الأرمن، ولا تجد حرجا في الاعتراف الألماني بالمحرقة المزعومة ضد اليهود وحقهم في التعويض، ولا تعترف بمجازرها عندنا؟ وهي الجرائم التي لا تسقط بالتقادم، ولا يمكن لأيّ جهة كانت أن تساوم عليها، ولا بديل عن الاعتراف والاعتذار والتعويض والحق في الأرشيف. فرنسا تبيع لنا الوهم مثلما فعل "هولاند" سنة 2012، ووزيره المكلف بالمحاربين القدامى الأيام الماضية في سطيف، بالاعتراف بالتقسيط بقساوة تلك المرحلة، ولكنها لا تريد أن تتحمّل المسؤولية الكاملة عن ذلك، فالمطلوب منها الأفعال لا الأقوال.. السلطة التي تربطها علاقات متميزة مع فرنسا، وقد بيّن الكتاب الأخير: "باريس- الجزائر .. علاقة حميمة" عن حجم مصالح مسؤولينا فيها، وهم الذين صدّعوا رؤوسنا بالوطنية، ويهينها "هولاند" مرّة أخرى عندما يبعث برسالة خبيثة قبل الاحتفال بمجازر 08 ماي، عندما يعتبر أن ما حدث ليس إبادة جماعية بل هو من ضرورات الحرب، ولن يعترف بذلك إلا إذا أبيد الشعب الجزائري بكامله، وهو ما لم يقع بزعمه، فماذا تنتظر هذه السلطة المنبطحة له أكثر من هذا؟
لقد تبيّن أن علاقة السلطة بفرنسا هي علاقة حميمة على حساب الحقوق التاريخية للشعب الجزائري.