بدا كل شيء وكأننا في منتصف النهار.. جميع المحلات مفتوحة، تدخل المقهى يخيل لك أن كل الناس جاءوا ليحتسوا القهوة.. زحمة مرور خانقة وكأن كل المنازل خلت من ساكنيها.. نساء تتمشى بعد منتصف الليل بمفردها.. والمصيبة أنك لن تجد لك مكانا داخل الأسواق إذا ما فكرت في التريث إلى ما بعد مسلسل "باب الحارة". * * أغنياء يزاحمون الفقراء على ملابس الصينيين ومحظورات الصيام نهارا تلغى ليلا * * سمعنا عن زحمة الأسواق ليلا، لكننا لم نكن نتصورها أنها ستكون أكثر حدة منها من النهار.. بدايتنا كانت من "المدنية"، هذه المدينة التي يبدو أن سكانها أفطروا في الشارع.. الساعة السابعة والنصف.. المقاهي مفتوحة، الحمامات، المحلات التجارية.. مرورا بالمرادية وصولا إلى "بازار علي ملاح" حاولنا ركن السيارة في إحدى المساحات المخصصة لها ففوجئنا بارتفاع ثمن التوقف فقيل لنا "إنه الليل .. أتريدون أن تسرق السيارة.."، وفوجئنا أكثر بأننا تأخرنا كثيرا ولم نجد مكانا لركن السيارة فاضطررنا لتغيير الوجهة.. بالرغم من أن عقارب الساعة لم تكن قد تجاوزت بعد التاسعة والنصف. * * .. إن تأخرتم .. لن تشتروا لأبنائكم كسوة العيد * * دخلنا سوق علي ملاح.. حتى الخضار لاتزال تباع تنافس جنبا لجنب محلات الملابس.. لم نجد لنا مكانا ضمن مساحة السوق، نفس مظاهر النهار تتكرر ليلا.. بل أكثر النساء خرجن في كامل أناقتهن.. ومعاكسات أيضا.. وكأن ما بعد الإفطار يلغي محظورات الصيا .. تتعالى الأصوات هنا وهناك "الذي لن يشتري اليوم لن يكسي أولاده"، وغير بعيد عنه لجأ أحد التجار بعد أن ركن طاولته لبيع مختلف أنواع الإكسسوارات ومواد التجميل صارخا في وجه الزبائن "03 حوايج ب 50 دينار اللي ماشراش اليوم ما يشريش"، ويبدو أن وقع كلامه جلب نتيجته بعد أن تزاحمت حول طاولته العديد من النسوة وهن تتخاطفن سلعته وكأن ما يبيعه سينتهي من الأسواق، ما لاحظناه في سوق علي ملاح أن الباعة الفوضويين نصبوا طاولاتهم وسط المحلات، وما يشد الإنتباه أكثر أن كل السلع "ملابس، إكسسوارات، أحذية، أوان، مستلزمات البيت.." كلها من صنع صيني.. * * الطفل جزائري.. محفظته ملابسه، مستلزماته "شنوية" * * وأنت تحدق في مختلف أنواع السلع، لن تكون بحاجة إلى البحث عن موطن إنتاجها، فكل شيء "مايد إن شاينا"، تقليد الصينيين للماركات العالمية طال كل شيء وبأثمان زهيدة جلبت إليها المواطن الجزائري وليس فقط أصحاب الدخل المحدود، فحتى الأثرياء كان لهم نصيب من سلع الصينيين.. وهو ما تعكسه تلك السيارات الفخمة التي ركنها أصحابها بجانب "البازار علي ملاح".. تقول إحدى السيدات وهي تهم بإلباس ابنها نوعا من الأحذية الرياضية المقلدة قائلة له "هذي غير بها مع الحذاء الإيطالي.. ستنفعك في فصل الشتاء حتى يبقى حذاؤك الغالي جيدا".. وإذا كان جزء من الأثرياء يفضلون كسوة أبنائهم من الألبسة الصينية، فإن الفقراء وجدوا في سلع الصينيين ملاذا لهم في منافسة ملابس الشيفون "مادام أنها جديدة". * عندما وصلت عقارب الساعة إلى العاشرة والنصف كثرت زحمة الناس من حولنا قررنا لحظتها مغادرة السوق نحو اتجاه آخر.. دخلنا الطريق السريع بالإتجاه غرب العاصمة نحو الرويبة والرغاية.. حتى الطريق السريع لم يسلم من اختناق حركة المرور ليلا.. * وصلنا الرغاية.. كان لنا قراصنة "الباركينيغ" بالمرصاد، "عمي باركينغ 30 دينارا".. لا مفر، ركن سائقنا السيارة، لتفاجئنا حركة المواطنين ليلا.. فمن قال أن سكان شرق العاصمة لا يسهرون؟ * * جزائريون يتسحرون على الشواء * * من شرق العاصمة إلى غربها، كانت محلات الشواء تصنع ليل العاصمة.. كثيرون هم أولئك الذين يفضلون تناول الشواء أو كما قال لنا أحدهم "في الأيام الأخيرة فضلت مقاطعة الشربة والبوراك حتى لا أصاب بالتخمة لأستطيع التهام الشواء"، في المدنية كما في المرادية، وفي الرويبة أيضا.. محلات بيع الشواء وحتى البيتزا لم تغلق أبوابها.. لأن الجزائريين لم يغيروا أنماط أكلهم وشهر رمضان الكريم، أو ربما طال شوقهم للشواء حتى ونحن في شهر الصيام. * كثيرون هم أولئك الذين حدثونا عن رمضان 2008 وعودة الأمن إلى أسواقنا.. تجلت بوضوح رؤية الناس وهي تتجول ليلا إلى ما بعد الواحدة صباحا.. حتى أن الكثير من النساء لم تمانع في الخروج ليلا.. حيث لاحظنا الكثير من النساء رفقة أطفالهن عائدات إلى بيوتهن بمفردهن فيما كانت عقارب الساعة قد تجاوزت منتصف النهار.. لكن ميزة كل عيد للجزائريين الغلاء الفاحش، ملابس الأطفال فاقت 2000 دينار لعمر طفل لم يتجاوز الخمس سنوات.. وإن كانت ملابس الصينيين قد حلت المشكلة، لكنها تظل في أعين الجزائريين تصلح لفترة لا تتجاوز الشهرين أمام جودة نظيرتها الأوربية.. فيما فضل الكثيرون كسوة أبنائهم من "الشيفون" ككل عيد.