صحفي الشروق رفقة السيد طاهر بومدرة أكد، طاهر بومدرة، المدير الإقليمي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا بالمنظمة الدولية للإصلاح الجنائي، أن الدول العربية تطبق عقوبة الإعدام ليس وفقا للشرع الإسلامي المحدد في أربع حالات، وإنما لحسابات سياسية عادة ما تكون لوأد المعارضة السياسية بتمديد الحالات بقوانين وضعية ل360 حالة، وأنها تحاول إدخال إصلاحات في النظام الجنائي تحت ضغوط الممولين، وهما البنك الدولي وصندوق النقد العالمي. . * *الجزائر كانت وفية بالنسبة للأمم المتحدة بالتصويت لوقف عقوبة الإعدام * وقال بومدرة إن الجزائر هي البلد العربي الوحيد الذي صوّت لإلغاء عقوبة الإعدام في دورة الأممالمتحدة على التوصية رقم 46-162، سنة 2007، موضحا أن الجزائر موقفها وفيّ، حيث لم تنفذ العقوبة في الجزائر، منذ سنة 1993، داعيا باقي الدول لمسايرة الجزائر، بالتصويت بنعم في الجلسة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، ديسمبر المقبل، التي ستناقش مشروع جديد لتدعيم التوصية 9-40-162. * واتهم المدير الاقليمي الولاياتالمتحدة بالإبقاء على عقوبة الإعدام لأسباب سياسية وتاريخية لا صلة لها بتحقيق العدالة، وأنها »لا تحترم القانون الدولي وتضعه للآخرين وليس لنفسها«، حسب جون بارتر، ممثلها بالأممالمتحدة، الذي قال سنة 2005 إن »دولته فوق القانون«. * * الشروق اليومي: هل بإمكانكم تحديد نطاق المنظمة وواقع المنظومة الجنائية في الدول العربية؟ * طاهر بومدرة: المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي لديها مكاتب إقليمية حسب معايير الجهة والتنوع الثقافي، وباعتبار الشرق الأوسط وحدة متكاملة لغويا ودينيا مع المغرب العربي، خصص له مكتب موحد مع شمال إفريقيا، ويتمركز المقر الرئيسي للمنظمة بلندن، وتهدف لإدخال إصلاحات على المنظومة الجنائية. أما عن واقع منظومة الدول العربية، فالعمل جارٍ لإعادة النظر في المنظومات القانونية والجنائية في بعض بلدان العالم بالخصوص العربية، في مجال حماية حقوق الإنسان والانفتاح على الديمقراطية، حيث نسجل أن هناك نقص في تلبية حقوق المواطن على غرار باقي الدول النامية، في ضمان المحاكمة العادلة، وصار من الملح بأن تحترم أي دولة المعايير والاتفاقيات في مجال حقوق الإنسان، وإعادة النظر في الوسائل الضرورية لتمكين المواطن من الوصول إلى جهاز العدالة والتمتع بمعايير واضحة للاستفادة من محاكمة عادلة. * لكن للأسف، فإن معظم الدول العربية حاليا تحاول إدخال إصلاحات ليس اقتناعا، وإنما تحت ضغوط الممولين وهي البنك الدولي وصندوق النقد العالمي، والاتحاد الأوروبي، فهذه الجهات الممولة صارت تربط المساعدة من أجل التنمية مع احترام حقوق الإنسان وإدخال إصلاحات في المنظومة القضائية. * * ما هو وضع الجزائر؟ * **رغم المحاولات الجدية التي اتخذتها الحكومة الجزائرية من أجل إدخال إصلاحات، غير أنه لاتزال لم تفعل على أرض الواقع، وتفعيلها تواجهه صعوبات موضوعية معظمها متعلق بالتنمية البشرية، فالعدالة والإصلاحات في المجال الجنائي يفترض أن النظام القضائي يبنى على معطيات تنموية تجعل من الساهرين على تنفيذ وتفعيل القانون والعدالة أهلا بهذه المهمة، فالسلطات الجزائرية وعلى مستوى عالٍ يعترفون بنقص على مستوى القدرات البشرية في مجال إصلاحات منظومة العدالة الجنائية بصفة عامة، وهناك إرادة سياسية واضحة لإدخال إصلاحات لكن هذه الإصلاحات بحاجة لإمكانات مادية وبشرية لم تسخر في هذه المهمة. * * تدعو المنظمة لإلغاء عقوبة الإعدام، ماهي دوافع هذا المطلب وهل تتوقعون أن تستجيب الدول العربية له؟ * **في إطار إعادة النظر في نظام العدالة الجنائية في العالم العربي، ارتأت المنظمة الدولية أن تقوم بحملة إقليمية تخص كل الدول العربية للمطالبة بفتح حوار ومناقشة صريحة وفي ظل التطورات المعاصرة للعدالة الجنائية في بلادنا العربية، وهناك تطورات خاصة في حل المكتسبات تدفعنا لطرح سؤال أساسي وهو مدى فعالية أو نجاعة تطبيق عقوبات غير إنسانية قاسية ومهينة للكرامة البشرية؟ وهي عقوبة الإعدام. اليوم، نتساءل ما المهم من النص أو تطبيق عقوبة الإعدام؟ هل هي عقوبة رادعة؟ * الدراسات في مجال علم الإجرام تثبت أنها رادعة ردعا عاما وليس ردعا خاصا والتوجه العالمي هو أن الدول اليوم ترى أن عقوبة الإعدام لا مجال للاحتفاظ بها لأنها تمس بحق أساسي وهو الحق في الحياة. والعام والخاص يعلم بأن الحياة يمنحها الله ولا يحق للبشر أن يأخذوها، كما أن الجريمة لا تواجه بجريمة أخرى وبرجعية ثانية في حق الفرد. * * الدول العربية يغلب عليها معتقد الشرع الإسلامي، الذي يرى بأن وضع حد لحياة مجرم فيه حياة لمجتمع بأكمله، ألا تتخوف المنظمة من حصول صدام مع هذه الدول؟ * **هذا سؤال يستعمل كثيرا في الرد على مناداة عقوبة الإعدام وهو سؤال غير مبرر. الشريعة الإسلامية صريحة وتستعمل الإعدام في حالات معينة ومختصرة في أربع حالات وهناك من يضعها في خمس حالات، غير أن القوانين الوضعية التي يضعها البشر توسعها إلى 360 حالة، وهو تعسف واضح في استعمال عقوبة الإعدام، والمدارس الفقهية تتفق على أربع حالات وهي مبررات الأكيد سياسية وليست دينية، أما التذرع باسم الشريعة فهو غير مقبول. ومن ناحية علم الإجرام، عقوبة الإعدام غير رادعة بالشكل الذي يتصوره البعض. * أما العدالة في الإسلام فهي مطلقة وتجعل من المستحيل تنفيذ عقوبة الإعدام، حيث يشترط قاض عادل ومطلع وعارف بكل المحيط وشروط الجريمة المرتكبة، إضافة لهذا فإن الشريعة الإسلامية تعطي الأولوية للتسامح ودفع الدية، وحل المشكل خارج إطار الانتقام. * اليوم العدالة الجنائية الوضعية فيها عنصر الانتقام من المجرم قضية أساسية، ولا يعقل أن نمنح للجهاز القضائي حق الانتقام من المجرم، وإنما يجب معالجته طبيا ونفسيا، يجب أن لا ننسى مصلحة الضحية والمجرم يعاقب بكل صرامة والقانون، غير أن تنفيذ الإعدام هو إجحاف في حق الضحية لأنه قد صار تحت طائلة القانون، ونحن نتساءل لماذا حوالي ثلثي دول العالم تخلت عنه ولم تتخل عنه دولة عربية واحدة. * * ربما الجزائر تخلت عنه؟ * **نجد المغرب، الجزائر، تونس وموريتانيا صاروا لا ينفذون الإعدام لكن يحكمون به، معناه موجودة العقوبة قانونا فيما الحكم لا ينفذ، والسؤال من المنظمة إذا كانت لا تنفذ فلماذا إبقاءها بالمنظومة القانونية والتوسع فيها واستعمالها بشكل مفرط، ألا يمس بحقوق الإنسان في الدولة؟ * * تحدثتم عن أربع حالات محدّدة في الشريعة، فما هي؟ * **أولا: الزنا، بالشروط والمعايير المذكورة شرعا، حيث إذا طبقنا الشروط والمعايير لا يثبت الزنا على أرض الواقع، وبالتالي لا يمكن تطبيقه لصعوبة الإثبات قضائيا. * ثانيا: الردّة، هي الأخرى جعلت منها الشريعة قابلة للنقاش، في إطار حرية المعتقد ولا إكراه في الدين وهو أيضا يخضع لشروط مضبوطة بدقة وتنظيم عالٍ وأمام محكمة عادلة لا يمكن الحكم إلا إذا أقر الفعل المعني بنفسه، واليوم نرى أن المحاكمة سياسية أكثر منها قضائية. * ثالثا: حالة الحرابا، وهي في العالم المعاصر الجريمة المنظمة، شبكات قطاع الطرق، العنف والعنف المسلح، من أجل الاعتداء على حياة البشر وممتلكات الأفراد، والنظام الإسلامي يقتضي أدلة إثبات قاطعة وخالية من أي شوائب تجعل الشك يحل محل اليقين، وحينها يعتد بوسائل إثبات وفي ظل المعادلة المعاصرة يصعب الإثبات. * رابعا: التمرد أو رفع السلاح ضد المجتمع وهي الفتنة، أو التعاون مع العدو ضد المجتمع الإسلامي وهي قضية صعبة التعريف إثبات التعاون مع العدو وتشوبه معايير سياسية أكثر منها قانونية، والنظام الإسلامي يشترط الصفات الأخلاقية العالية في الحاكم التي لا تنحرف سياسيا ولا أخلاقيا. * * ألا ترون أن المطالبة بإصلاح المنظومة الجنائية يقتضي بالضرورة إصلاح المنظومة السياسية؟ * **التداخل فيما هو قضائي وسياسي موجود، ولا يمكن فصل السياسة عن القانون الذي هو حصيلة مشروع سياسي. لكن في دولة القانون مشروع سياسي ما يترجم، حيث يصبح القانون يطبق على الجميع بشكل متساوٍ، وعليه نرى في المجتمعات النامية القانون يطبق بمعايير مختلفة من مجملها. * الإيمان السياسي بالمشروع المجتمعي يقتضي اختيار نهج سياسي وإصلاح العدالة في هذا المنظور هو في نهاية الأمر مشروع مجتمعي وسياسي، كطرح إجمالي بين القانون والسياسة، لكن بعض البلدان توظف ذلك سياسيا ويستعمل القانون لإسكات المعارضة السياسية أو القضاء عليها. * * هذا ما يطبق في أرض الواقع؟ * **نلاحظ أن كثير من القضايا السياسية تعالج بشكل خارج القانون وبأساليب غير محترمة للقانون ومن مجملها نلاحظ في الدول العربية أن عقوبة الإعدام تستعمل لإسكات المعارضين السياسيين، وعليه من أسباب إبقائها هو أنها وسيلة توظف لغايات سياسية. * * هل ينطبق هذا على الدول العربية؟ * **الأكيد أنه لا يوجد أيّ من الدول العربية من ألغى عقوبة الإعدام، وهذا يفسر بنقص في التحصيل الديمقراطي وحقوق الإنسان. وفي مجال التفاعل مع ذات العقوبة فإن الإجراءات تتخذ تحت ضغوط خارجية وتتفاعل لإرضاء الممولين الدوليين، وفي أرض الواقع ترفض ذات الدول إعادة النظر في منظومتها التشريعية لإنقاص العقوبة وعلى المدى البعيد إلغائها، ويجب أن أذكر، في ذات الخصوص، أن الجزائر البلد العربي الوحيد الذي صوت في الأممالمتحدة على التوصية رقم 46-162 المطالبة لكل دول العالم بتوقيف عقوبة الإعدام والعمل على إلغائها تدريجيا، فالموقف الجزائري في نظر المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي كان وفيّا لما يجري على أرض الواقع حيث لم تنفذ في الجزائر، منذ سنة 1993. وقامت منظمة الإصلاح الجنائي بإصدار بيان في هذا الخصوص يثمن موقف الجزائر، ودعت باقي الدول العربية لمسايرة الجزائر في هذا الاتجاه والتصويت ب»نعم« في الجلسة القادمة للجمعية العامة للأمم المتحدة، ديسمبر المقبل، التي ستناقش مشروع جديد لتدعيم التوصية 9-40-162 المقترحة سنة 2007، حيث ستصدر نصّا أقوى تطالب فيه بتوقيف تنفيذ العقوبة وتصدر تشريعات تمنع الإعدام خصوصا لفئة القصر دون 18 سنة. * * وعلى ذات المقترح فإن المنظمة ستتحول إلى منظمة سياسية؟ * **مهمة المنظمة واضحة ومحددة بشكل حصري في مجال عصرنة المنظومات الجنائية في العالم، فكل تدخل للمنظمة يقوم على أساس النظرة الموضوعية وانتقادها داخل فيما يسير حقوق الإنسان وتفعيله. وإذا كان هذا لا يخلو من السياسة، فالمنظمة ترى أنه على الدول وضع معايير لنفسها ونطالب منها الالتزام بالقانون الذي تسنّه مع احترامه. * * لاتزال دول متقدمة وأبرزها الولاياتالمتحدةالأمريكية تطبق عقوبة الإعدام في بعض ولاياتها، فلماذا التركيز على الدول العربية؟ * **الدول الرافضة لإلغاء عقوبة الإعدام وعلى رأسهم الولاياتالمتحدةالأمريكية، تحتفظ بهذه العقوبة لأسباب سياسية وتاريخية لا صلة لها بتحقيق العدالة، حيث أن أمريكا من الدول التي تتمسك بشدة بحق المواطن في استعمال السلاح، وهذا يدل على ثقافة العنف الموجودة في الولاياتالمتحدة التي أعلنت أنها ليست دولة القانون، ولا تحترم القانون الدولي وتضعه للآخرين وليس لنفسها، تبعا لما صرح به، جون بارتر ممثل الولاياتالمتحدةبالأممالمتحدة، الذي قال بكل صراحة، سنة 2005 خلال مناقشة احتلال العراق من طرف أمريكا، إن »دولته فوق القانون« وبالتالي لا يمكن لنا كدول نامية نطمح للديمقراطية أن نأخذ موعظة من الولاياتالمتحدة. أما الدول الأوروبية فكل أعضاء الاتحاد الأوروبي ألغوها وجعلوا التعاون الاقتصادي الثقافي والقضائي مربوطا بإلغاء الإعدام. * * هل تعرضت المنظمة لضغوطات من قبل دول غربية لتشخيص الواقع الجنائي بالدول العربية؟ * **المنظمة هي التي تمارس هذه الضغوطات من أجل ممارسة الحقوق في المجال القضائي الجنائي، وهي مجموعة ضاغطة وتطالب الدول الالتزام بما تسنّه لنفسها وبما تصادق عليه في الاتفاقات الدولية، فالضغط من المنظمة وليس من الدول. * * من أين تستمد قوتها؟ * **الالتزام بالقانون والأعراف والقوانين الدولية وحقوق الإنسان المتفق عليها دوليا. * * نرى أن عقوبة الإعدام من الاهتمامات الرئيسية للمنظمة؟ * **هناك قضايا أخرى نهتم بها كالترويج لإدخال عدالة الأحداث، أي الأطفال لما يصيرون في وضعية نزاع مع القانون، لأن الطفل أقل من 18 سنة، بحكم القانون، لا يرتكب الجريمة في أوضاع غير قانونية، ولا يمكن إخضاعه للنظام الجنائي التقليدي، فمن حيث المتابعة نعمل على أن تكون محاكم خاصة تنظر في قضايا الأحداث وعلى أن تستعمل بدائل للعقوبات الجنائية بخصوص الأطفال وأن تحرّم بشكل مطلق عقوبة الإعدام في حق الأطفال المذنبين. * إضافة لذلك معاملة السجناء في إطار حقوق الإنسان المكفولة كالعلاج، وصون الكرامة الإنسانية. * * وماذا عن فترة الحجز المطبقة في بريطانيا؟ * **للأسف، نعتبر أن هذه تراجعات تعلقت بفترة محاربة الإرهاب، ولكن نرفض ونعارض طول فترة الحجز، وكل الناشطين يدينون ذلك ويطالبون بمحاكمة عادلة وسريعة عقب كل توقيف، وأن يخضع تمديد الحجز للمعايير الدولية.