السودان يستعد لأي طارئ/ تصوير: علاء الدين.ب تتجه الأنظار اليوم الرابع من مارس إلى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، حيث من المقرر أن يصدر قضاة المحكمة ردهم على طلب المدعي لويس مورينو أوكامبو إصدار أمر اعتقال في حق الرئيس السوداني عمر حسن البشير بتهم "ارتكاب جرائم حرب وإبادة" في دارفور. في هذا الحوار الذي أجرته "الشروق اليومي" مع السفير السوداني ببلادنا، يؤكد السيد أحمد حامد الفكي حامد على أن أي قرار ستصدره المحكمة سيتم تجاهله.. .. * وحذر من أن القرار ستكون له انعكاسات سلبية على استقرار السودان. وأوضح السيد حامد الذي تعد "الشروق" أول جريدة وطنية يتحدث إليها، أن البلاد وضعت في حالة استنفار قصوى تحسبا للقرار * * من المقرر أن تُصدر المحكمة الجنائية الدولية اليوم قرارها بخصوص الرئيس عمر البشير.. فكيف يستعد السودان لهذا القرار؟ * - السودان ليس عضوا في المحكمة الجنائية الدولية وقراراتها غير ملزم بها. لدينا قضاء مستقل ونزيه يمكن من خلاله محاكمة كل من يرتكبون جرائم في البلاد. والسودان مع العدالة التي تطبق بأسس سليمة، أما المحكمة الجنائية الدولية فقد اتخذت مسارا سياسيا وليس قانونيا، بمعنى أنها سيّست من أجل تحقيق أهداف قوى كبرى تستهدف السودان. ومن المفارقة أن هذه المحكمة تستهدف فقط العرب والأفارقة ولكنها تتغاضى عن الجرائم التي يرتكبها الآخرون، وهناك شواهد كثيرة على جرائم ارتكبت في غوانتنامو وفي العراق وفي غزة، وحدث تدمير وقتل لملايين الناس، ولكن العالم لم يتحرك من أجل محاكمة المسؤولين عن تلك الجرائم. * وبخصوص قرار المحكمة المقرر صدوره اليوم الأربعاء، نحن نترقبه طبعا في السودان، وقد اتخذت السلطات كل احتياطاتها وستفي بكافة التزاماتها الدولية، حيث ستوفر الحماية للسفارات الأجنبية وللمنظمات الدولية. وقد وضعت الأجهزة الأمنية في السودان في حالة استنفار من أجل الحفاظ على وحدة واستقرار البلاد. وكذلك هناك حالة استنفار سياسي وديبلوماسي ترقبا للقرار، وحتى في أوساط المواطنين الجميع مستنفر وينتظر هذا القرار الجائر. * * وكيف سيتعامل السودان مع الوضع في حال صدور قرار بإيقاف الرئيس؟ * - من الناحية الرسمية سيكون هناك تجاهل للقرار باعتبار أن السودان لا يعترف بالمحكمة ولا بقراراتها كما قلت لك، ولكن ما نخشاه ونتخوف منه هو أن يؤدي قرار المحكمة الجنائية الدولية إلى وقوع تأثيرات سلبية وضارة باستقرار السودان. فقد ينعكس القرار على محادثات السلام الجارية بين الحكومة السودانية والحركات المتمردة في إقليم دارفور، بمعنى أن يشجع القرار الحركات المسلحة على عدم الانضمام إلى المفاوضات الجارية وقد يدفع بعضها إلى معاودة حمل السلاح وبالتالي العودة إلى نقطة الصفر. ومن جهة أخرى لا يستبعد أن يكون للقرار تأثيرات سلبية على الاتفاقيات بين الحكومة المركزية والجنوب باعتبار أن رئيس الجمهورية هو الضامن لتلك الاتفاقيات. * ولمواجهة هذه التخوفات فقد اتخذت السلطات السودانية من جهتها كل الاحتياطات من أجل الحفاظ على وحدة وسلامة البلاد وستواصل محادثاتها ومفاوضاتها مع الحركات المتمردة. * وعلى صعيد آخر يواصل السودان وعلى مستويات عليا اتصالاته مع دول صديقة ومع منظمات دولية من أجل إقناع المجتمع الدولي والقوى التي تقف وراء المحكمة الجنائية الدولية بخطورة إصدار أي قرار يمس بالرئيس السوداني، لأن ذلك ستكون له انعكاسات سلبية وخطيرة على استقرار السودان وعلى المنطقة برمتها. كما نحاول إفهامهم ما إذا كان هدف هذه المحكمة هو تطبيق "عدالتها" أم تحقيق السلام والاستقرار في السودان؟! * * وكيف تتوقعون أن تكون طبيعة القرار؟ * - من الصعب التكهن بطبيعة قرار المحكمة الجنائية الدولية. وإذا كان التوقيف، ما هي النقاط التي سيشملها والأدلة التي سيستند إليها؟ القضية غير واضحة، لأنها تتعلق لأول مرة برئيس جمهورية مايزال يمارس مهامه، ثم أن المحكمة الجنائية الدولية تفتقد إلى آليات لتنفيذ قراراتها، وهل ستلجأ إلى مجلس الأمن الدولي، أم إلى الأنتربول "الشرطة الدولية". وإذا لجأت إلى مجلس الأمن فإنها ستصطدم بمعارضة بعض الدول الأعضاء التي تساند السودان وترفض اختراق القوانين الدولية في هذا المجال. وإذا لجأت إلى الأنتربول سيحتاج ذلك إلى وقت طويل وإجراءات معقدة. * * هل تلقى السودان ضمانات من حلفائه داخل مجلس الأمن؟ * - موقف الصين وروسيا مساند للسودان، وقد عبرت لنا الصين مثلا عن استعدادها لمساعدة السودان، بالإضافة إلى أن هناك جهودا افريقية وعربية مشتركة تبذل للوقوف إلى جانبنا ومساعدتنا في هذه القضية، وتقوم دول صديقة بينها الجزائر باتصالات مع القوى التي تستهدف السودان. وكانت الجامعة العربية والاتحاد الإفريقي قد تقدما باقتراح يقضي باللجوء إلى المادة 16 من ميثاق روما، أي تأجيل قضية المحكمة الجنائية الدولية لمدة عام، ولكن هذه الجهود اصطدمت برفض من بعض القوى الكبرى داخل مجلس الأمن، وهي الولاياتالمتحدة وفرنسا وبريطانيا.. وعموما كل الدول العربية والإفريقية تدرك خطورة ما يخطط للسودان، وتعلم أن الهدف هو إضعاف السودان الذي يعتبر العمق الاستراتيجي للمنطقة العربية. * * وهل تتوقعون أن يتم اللجوء إلى الخيار العسكري لتنفيذ القرار؟ * - كل الاحتمالات واردة. * * وماذا بخصوص الإدارة الأمريكيةالجديدة، هل أنتم متفائلون بها، أم تقفون منها موقف المتوجس؟ * - اتخذت إدارة باراك أوباما حتى الآن بعض الخطوات الإيجابية بخصوص العراق وغوانتنامو وإيران، وبالنسبة للسودان، هناك تصريحات تصدر عن سوزان رايس، ممثلة الولاياتالمتحدة في الأممالمتحدة تتحامل على السودان. ولكن السياسة الأمريكية إزاء السودان لم يعلن عنها حتى الآن ونحن بدورنا نأمل أن تراجع إدارة باراك أوباما علاقات واشنطن بالسودان الذي يرغب في تطوير علاقاته مع كل الدول بما فيها الولاياتالمتحدة بشرط عدم التدخل في شؤوننا الداخلية. وتقوم حكومة الجنوب منذ عهد جورج بوش باتصالات مع الأمريكيين لتحسين العلاقات السودانية الأمريكية، ولكننا لم نصل بعد إلى المرحلة المرجوة بين الطرفين. * * وأين وصلت المحادثات بين الحكومة وحركات التمرد في دارفور؟ * - توصلت الحكومة وحركة العدل والمساواة في آخر لقاء بينهما في الدوحة إلى اتفاق حسن النوايا وبناء الثقة، ومن المقرر أن تستأنف المباحثات في الدوحة خلال الأسبوع القادم بمشاركة كل الفصائل من أجل اتفاق إطار يمهد الطريق لاتفاق شامل يتيح لإقليم دارفور المشاركة في السلطة وفي الثروات على غرار ما حدث مع منطقة الجنوب. وقد ساهمت الجزائر ودول أخرى في تحقيق هذه الخطوة بين الفرقاء السودانيين من خلال المبادرة العربية الإفريقية التي فوضت قطر لاحتضان هذه المباحثات. وتأمل السلطات السودانية في التوصل قريبا إلى تحقيق السلام في الإقليم، ولكنها بحاجة إلى دعم إقليمي ودولي لتحقيق هذا الهدف. * * ترتفع أصوات من داخل السودان تؤيد المحكمة الدولية، فما رأيكم؟ * - معظم القوى السياسية داخل السودان ضد إجراءات المحكمة الجنائية الدولية، وتعتبر أن الرئيس عمر حسن البشير هو رمز السودان والمساس به هو مساس بسيادة السودان. نعم هناك أصوات غريبة ونشاز لا تتناسب أفكارها مع وحدة السودان، ولكنها قليلة ولا تحظى بالقبول حتى في وسطها. والحكومة السودانية بدورها تجري حوارا داخليا في إطار "مبادرة ملتقى أهل السودان" بمشاركة كل القوى والفعاليات السياسية وذلك بهدف التوصل إلى حل داخلي لمشاكل السودان.