أمير الجماعة السلفية عبدالمالك دروكدال ولم يَتَأَتَّ تحقيق هذه الخطوة إلا بعد فتح الجماعة قنوات التواصل والتنسيق مع الجماعة الإسلامية المغربية المقاتلة، والجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة، إلى جانب المجموعتين الإسلاميتين التونسية والموريتانية، بهدف إعادة رص الصفوف والشروع في تحقيق إستراتيجية القاعدة المتمثلة في »لم شتات السلفيين بالمنطقة، وتوحيدهم تحت راية تنظيم جهادي مغاربي واحد«. * وذكرت مصادر مطلعة ل صحيفة »المغربية« أن "استشارة وإذن واختيار" أسامة بن لادن لاسم التنظيم جاء ليحسم الخلاف، الذي نشب بين هذه الجماعات حول التسمية، »إذ في الوقت الذي فضل السلفيون المغاربة حمل التنظيم لاسم "القاعدة في شمال إفريقيا" مال سلفيون في الجزائر وتونس لتسمية "القاعدة في بلاد المغرب العربي" وهو ما دفع بن لادن للتدخل لفض الخلاف، واختيار اسم ثالث وسط (القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي) على غرار "القاعدة ببلاد الرافدين" الذي كان يتزعمه أبو مصعب الزرقاوي« (1) * هذا... ومما يلاحظ عن مسيرة التنظيمات المسلحة في الجزائر يمكننا أن نقسمها إلى ثلاثة مراحل: * المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل الوحدة وهي مرحلة الحركات والجماعات المستقلة واستمرّت من سنة 1991 إلى 1994 سنة الوحدة. * المرحلة الثانية: مرحلة الوحدة والاندماج الذي وقع بين الجماعات سنة 1994 تحت تنظيم الجماعة الإسلامية المسلحة، وظهور المولود الجديد "الجيش الإسلامي للإنقاذ " * المرحلة الثالثة: مرحلة ما بعد خروج الجماعة عن طريقها واستعمالها للسلاح في وجه الأمّة الجزائرية المسلمة بعد استيلاء جماعة من التكفير والقطبيين على قيادتها، وما أعقبها من انشقاق التنظيمات عنها وظهور المولود الجديد تحت اسم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" * وممّا سبق كذلك يظهر لنا جليّا أنّ الجماعات الرئيسية في البلاد انقسمت إلى ثلاثة فرق كبيرة: * الأولى: الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA) والتي بعد إعلان الوحدة التي تمت يوم 13 ماي 1994 بين كلّ التنظيمات أصبحت تسيطر على الكم الأكبر من المسلحين، والتي أصبحت بعد ذلك بسبب أفعالها الإجرامية أشهر من أن تذكر. * الثانية: الجيش الإسلامي للإنقاذ (AIS) بقيادة مدني مزراق الذي ارتضى وصاية الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وأفضى ذلك إلى ولادة تنظيمه يوم 17 جويلية 1994، لرفض الاندماج الذي حصل بين الجماعات، والذي سعى إلى جمع التنظيمات الخارجة عن تنظيم الجماعة المسلحة تحت لوائه الداعي إلى الهدنة والمصالحة مع النظام. * الثالثة: الجماعة السلفية للدعوة والقتال (GSPC) والتي استطاعت أن تجمع أغلب التنظيمات المسلحة الخارجة عن تنظيم الجماعة والتي تريد مواصلة القتال وهي الآن أكبر وأشهر جماعة مسلحة في الجزائر وقد غيّرت اسمها كما مرّ معنا إلى (تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي). * * انشقاق جماعة حماة الدعوة السلفية: * وقد أدّى تغيير التسمية والانضمام إلى التنظيم العالمي (القاعدة) إلى انشقاق جماعة حماة الدعوة السلفية، فقد جاء في جريدة الشروق اليومي في المقال الذي نشر يوم 9 ماي 2007 أن قيادة التنظيم المسلح "حماة الدعوة السلفية" التي يتزعمها المكنى سليم الأفغاني قد قطعت اتصالاتها مع تنظيم "القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي" بعد سلسلة محاولات لضم جماعة "حماة الدعوة" إلى هذا التنظيم، وكشف أحد التائبين من تنظيم "القاعدة" أن الاتصالات التي بدأت شهر رمضان 2007 بطلب من "أبو مصعب عبد الودود" قد توقفت في نهاية شهر فيفري 2007 بإعلان "سليم الأفغاني" رفضه طلب الانضمام ل "القاعدة" وطلبه بعدم إرسال مبعوثين عنه مستقبلا ما لم يتغير المنهج.. ويذكر أن سليم الأفغاني أبلغ أبا مصعب عبد الودود رفضه الانضمام إلى "القاعدة" لعدة أسباب منها أن أمير القاعدة أبو مصعب عبد الودود "يعامل المدنيين الأبرياء كأنهم صليبين أو مرتدين" وأيضا "تخليه عن الشرع وتركيزه على تجنيد شباب يستخدمه في العمليات الانتحارية ورفض سليم الأفغاني كذلك أن يلتحق بتنظيم يُسَيِّرُ القرار فيه "أجانب بدل جزائريين" ممن لهم معرفة بالسكان كما رفض أسلوب "القاعدة" في السطو على أموال الجزائريين وترويعهم في الحواجز المزيفة وخطف الأبرياء لابتزازهم، وهي تقريبا نفس الأسباب التي حرّكت عددا من القيادات المرجعية في "الجماعة السلفية" لإبداء تحفظاتهم على نهج "أبو مصعب عبد الودود" الذي تخلىّ كليا على الميثاق التأسيسي لتنظيم "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" الذي رسم الحدود الشرعية مع جرائم "الجماعة الإسلامية المسلحة". * ومما سبق ذكره يتبيّن لنا أنّ الجماعات المسلحة التي لا تزال الآن تنشط في الجبال تنقسم إلى قسمين أساسيين: * الأول يتبع تنظيم »القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي« بقيادة »أبي مصعب عبد الودود«. * والثاني يتبع جماعة »حماة الدعوة السلفية« بقيادة »سليم الأفغاني«. وكلتا الجماعتين خرجتا من رحم »الجماعة الإسلامية المسلحة« إثر تفككها في النصف الثاني من التسعينات نتيجة الغلو الذي انتهجته قيادتها في ظل »الأمير« جمال زيتوني (من 1994 إلى 1996) وبعده عنتر زوابري (1996 2002) حيث وصل الأمر بها في عهد الأخير إلى حد تكفير الشعب الجزائري (عموم الردة). * وفي حين تنشط جماعة «القاعدة» (الجماعة السلفية للدعوة والقتال سابقاً) في الولايات المحاذية للعاصمة شرقاً وامتداداً حتى شرق البلاد وبعض مناطق الصحراء، فإن »حماة الدعوة السلفية« كانت تتخذ من ولايات غرب الجزائر قاعدة لنشاطها، قبل أن تضطر أخيراً إلى »النزوح« شرقاً عبر سلسلة جبال الونشريس في اتجاه الولايات القريبة من العاصمة غرباً. * وتبرأت جماعة حماة الدعوة السلفية في بيان لها من تفجيرات 11 أفريل 2007 بالعاصمة والتي استهدفت مبنى رئاسة الحكومة، ومقر الأمن الحضري بباب الزوار، وخلفت 33 قتيلا أغلبهم مدنيون، على خلفية أن هذه التفجيرات خلفت ضحايا مدنيين، كما تؤدي إلى "تنفير الناس وفقد الأنصار" وتكرار سيناريو "الجماعة المسلحة" (GIA) بعد سلسلة المذابح، كما اعتبر التنظيم الذي يتزعمه أبو جعفر محمد السلفي المدعو أيضا "سليم الأفغاني" أنه "لا جدوى عسكرية معتبرة" إلا تحقيق صدى إعلامي كبير، مشيرا إلى أن الوضع في الجزائر مختلف عن العراق. * ورفعت جماعة سليم الأفغاني التي تُعَدُّ أول تنظيم أعلن انشقاقه عن "الجماعة الإسلامية المسلحة" سنة 1995 وهو كذلك أوّل تنظيم مسلّح أعلن رفضه الانضمام لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في بيانها الغطاء الشرعي عن التفجيرات الانتحارية، مؤكدة أن "التفجيرات المستعملة اليوم في الأماكن العمومية هي التي كانت تقوم بها الجماعة الإسلامية المسلحة (GIA) في بداية زيغها وضلالها تحت إمارة جمال زيتوني المدعو أبو عبد الرحمن أمين. * وحرص البيان الذي حمل عنوان "تبرؤ جماعة حماة الدعوة السلفية من التفجيرات التي تصيب الشعب المسلم على أرض الجزائر" على التأكيد أن التفجيرات التي تقع في الأماكن العمومية وتنسب إلى الجماعة السلفية للدعوة والقتال، "فيها تَعَدٍّ ظاهر على دماء المسلمين المعصومة وعبث واضح بأرواحهم ونفوسهم"، وقاعدة الشريعة أن ما علمت مفسدته الراجحة ينبغي تركه وإن كان في الأصل مشروعا "فكيف وهو يوقن بإفضاء التفجيرات إلى ذلك المآل بعد الذي وقع أيام الجماعة المسلحة (GIA) الضالة، فلا يفعل ذلك إلا سفيه مفرط في السفاهة..." * وقد يُؤَدِّي بيان جماعة حماة الدعوة السلفية إلى انشقاق أتباع أبو مصعب عبد الودود (عبد الملك دروكدال) المعارضين لمنهجه القائم على"معاملة المدنيين الأبرياء كأنهم صليبين أو مرتدين" و"تخليه عن الشرع وتركيزه على تجنيد شباب يستخدمه في العمليات الانتحارية، واستعماله أسلوب "السطو على أموال الجزائريين وترويعهم في الحواجز المزيفة وخطف الأبرياء لابتزازهم" إلى إحداث تمرد كبير بتنظيمه والالتحاق بتنظيم سليم الأفغاني لتبدأ مرحلة أخرى من مراحل الجماعات المسلحة في الجزائر، خاصة وأن التبرؤ هذه المرة جاء من تنظيم مسلح مازال يَنْشُط، كان قد تحالف مع الجماعة السلفية للدعوة والقتال تحت إمارة حسان حطاب عام2001، قبل انسحابه عنها اليوم. * هذا ما تيسّر لي جمعه في هذا الباب من تاريخ الجماعات الإسلامية في الجزائر وقد سرت فيه كما يرى كلّ من يطالعه على الحياد ما استطعت، واجتهدت في ذكر الوقائع كما حدثت من غير زيادة أو نقصان، وأرى أنني بعد هذه اللمحة التاريخية التي ذكرتها عن الجماعات والحركات بالاختصار أحيانا وبالتفصيل أحيانا أخرى قد هيأت نفسي والقارئ معًا للدخول إلى الباب الثاني وهو المتعلّق بدراسة أساليب وطرائق التغيير التي انتهجتها هذه الجماعات والحركات لتحقيق أهدافها. * * * جريدة "المغربية"، الدارالبيضاء يوم 29 جانفي2007 الكاتب عادل فرغاوي. * *