لنفترض أن "المجاهدين" عائدون هذا الأسبوع... ليروا الجزائر التي حلموا بها، مستقلة مزدهرة، وافية لمبادئهم التي حركتهم والمترجمة في بيان الفاتح من نوفمبر، أتصور أن البعض قد يكون "غير راض" بسبب العديد من الانحرافات على المسار "الثوري" للجزائر ما بعد الإستقلال، بدائياً من سبع سنين بركات، إلى العشرية الدماوية ووصولاً للجزائر ألفين وثمانية.. * من خلال "الخروقات" والقراءات "الأيديولوجية للبيان" فبدلاً ما يتم التأسيس لدولة جزائرية اجتماعية على أسس إسلامية، جربنا جميع "الأدوية" الإشتراكية منها، والليبرالية... ولكن "خلقت" أزمات.. أكثر مما أعطت حلولاً.. ولعل "المجاهدين" ورسالتهم النوفمبرية.. قد فهمو نوامس الشعب الجزائري، وخياراته الإجتماعية، وأعرافه وتقاليده المستمدة من القيم الإسلامية، دون نكران للبعد الأمازيغي، أو العربي أو الأفريقي... وحتى المتوسطي!! * المجاهدون عائدون.. وما زال البعض يتاجر بصفاتهم، سواء من خلال افتعال "قضايا" لا يمكن اسقاطها إلا في مجال المناورات السياسية، والفتنة، فالبعض يحرك ملف "المجاهدين المزيفين" للتخويف والتشهير ونسي أن المجتمع الجزائري يعرف من هو المجاهد الحقيقي، و"التايواني" منه. وعليه، المناورة مكشوفة.. وذلك حسب قراءتي الخفية، البعض قد يستغلها حتى في تشكيك المجاهدين، ومسارهم وثورتهم النبيلة، فالمعركة الحقيقية.. ليس بالرجوع للماضي.. بقدر ما هو استشراف للمستقبل من خلال رفع الحجز أو التحفظ على الأرشيف الجزائري.. وكذلك من خلال عامل جاد، علمي لإبطال القوانين التي تجمد الإستعمار، وبالتالي كخطوة موازية المطالبة بالتعويض والإعتذار، وهي ليست بدعة جزائرية بقدر ما أن العديد من الدول اعتذرت!! بعد أربعين سنة.. وأزيد مازالت معركة استرجاع السيادة الكاملة قائمة وغير مكتملة.. وإنني كعينة من جيل ما بعد الإستقلال لم أدرك التاريخ وحقيقته.. ليس من خلال "التدريس" الرسمي له أو الندوات، بقدر ما أدركته من خلال القراءات العديدة... وبعملية ربط الجزئيات ببعضها.. * قد يحلو للبعض تخوين عبان رمضان، أو مصالي الحاج.. ويتانسى المعارك الحقيقية للتاريخ... بالعمل الجاد والحقيقي في استرجاع الذاكرة الجزائرية... وإن كانت من وقفة نقدية وموضوعية مع عيد الإستقلال أو الشباب.. فعن أي شباب نتكلم؟ الشباب الذي لم يتسلم المشعل بعد أزيد من مرور أربعين سنة من الإستقلال.. أو شباب "جاهل " لتاريخه وأمجاده، فلنذهب ولنسأل الشباب، ولنرى الإجابات السطحية وغير المؤسسة بحكم أننا ربطنا فئة "المجاهدين" ببعض الإمتيازات، من رخصة، واستثناءات ومجاملات.. ونسينا لُب الأشياء!؟ * هذه هي الحقيقة المحرجة للأسف الشديد بمرارتها.. أليس الكل يتذكر الاحتجاجات الطلابية حول المعامل في مادة "التاريخ" بالنسبة للبكالوريا.. هل عالجنا القضية معالجة "إدارية" أو سوسيولوجية؟ يبدو أن جميع القضايا "الحساسة" في الجزائر، بدل أن تكون معالجتها بصفة جدية ونهائية فإنها تعالج بصفة إدارية وبيروقراطية مولدة للأزمة، بدلاً أن يتم حل الأزمة تعمق الأزمة. فالدستور أحياناً لا يكون بضرورة "الحصن المانع" للإختراقات، بقدر ما لم تتبع بمجهود فكري واجتماعي حول أهمية التاريخ في بناء الأمم والتماسك الاجتماعي للأمة والدولة والفرد. * وبالمناسبة، أتساءل عن دور نقاباتنا الحقوقية، واتحاداتنا وجمعيات حقوق الإنسان بالمطالبة والمغالبة والمغالاة في الإلحاح بالنسبة للإعتذار والتعويض... أم أن القضية مسيسة وتخضع للتوازنات!؟... * المجاهدون عائدون هذا الأسبوع، هذه مجموعة من التساؤلات يجب أن تجد حلولاً سريعة، فالاحتفاليات والمحاضرات التذكرية، والمهرجانات وتدشين المعالم، كلها عمل ممتاز من حيث إبراز المناسبة ومغازيها، ولكن ذلك لا يكفي إن لم تتبعه معركة استرجاع السيادة.. بإسترجاع "الأرشيف" وتحرير الذاكرة، كما أنه يجب القيام بمجهود قانوني وقضائي بالتوثيق الدقيق، للمطالبة بالتعويض عن الأضرار، المادية منها والمعنوية، والإعتذار... فإن كان الساسة الفرنسيين يفرقون بين فرنسا الإستعمارية وفرنسا الحالية، فلتكن لهم الشجاعة لمواجهة الماضي، ليس بالتأسي والندم .. ولكن "بالإعتذار الرسمي"... فهذا السلوك وحده الكفيل بدفع العلاقات الجزائرية الفرنسة نحو الأمام وتعطيل قنبلة الشحن العاطفية والوجدانية... * أما على الطرف الجزائري، فالمطالبة تكون قوية وليست ظرفية وجدية.. وغير مناسبة، وإنني متيقن أنه خلال الأسبوع المقبل ستكثر المهرجانات الإستعراضية والكل يدعي أنه "الوحيد" الشرعي باسم مآثر نوفمب وجيل الإستقلال، وأنه الوحيد الكفيل بتحقيق تطلعات المجاهدين.. فهذه الاسطوانة منذ أزيد من أربعين سنة ونحن نستمع لها... ولكن يبدو شرخا أصابها ليس لقدمها.. بقدر ما هو نتاج للاختلال بين الأفعال والأقوال... وما أكثر اللافتات النوفمبرية، ولكن في المقابل ما أكثر قلة نجاتها على مستوى الأفعال الجادة، التي تصون وتحفظ "التراث النوفمبري" من الإندثار! * وخلال هذا الأسبوع سنسمع الكثير ثم الكثير عن الثورة ورجالاتها.. وبعد انتهاء المدة.. وكأن شيئا لم يحصل والكل سيصاب بمرض "الأمنزية" بعد ذلك. * وأخيرا، أتصور أن المعركة الحقيقية المقبلة ستكون معركة قانونية، معركة الاعتراف والاعتذار.. إلى جانب معركة استرجاع الأرشيف المغتصب ليس فقط لحقبة الاستعمار ولكن الأرشيف الذي يحكي حقبات أخرى من العثمانيين مروراً بالمقاومات الشعبية.. الأرشيف والمآثر التي كانت موجودة.. واغتصبت مع رحيل الاستقلال.. وإنني قد لا أتكلم "بتطرف" زائد أو "وطنية" زائدة بقدر ما أطلب ما تم القيام به سواء للأرمن، أو الألمان، أو اليابانيين ومؤخراً الإيطاليين بالنسبة لليبيين.. * هذه مجموعة من الإرهاصات التي يشعر بها جيل ما بعد الاستقلال، والتي البعض يريد "إخفاءها" وكأنه كل شيء على ما يرام.. وكأن رسالة "المجاهدين" قائمة وهي البوصلة التي تحرك نواميس الدولة والأمة والمجتمع.. وحتى لا نكون مجحفين أو غير منصفين لنفترض أن المجاهدين راجعون هذا الأسبوع.. هل يكون لهم نفس الإنطباع؟!..