الحرب الكروية المصرية الجزائرية ستمتد إلى الخرطوم، وسيمتد معها القلق والكلام المباح وغير المباح بحيث سيعيش الطرفان لأيام إضافية على وقع هذه الهيستيريا الغريبة، والتي كان يمكن تفاديها لو اعتبر الأمر مجرد منافسة رياضية ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، إلا إن تمت إزاحة الجزائر أو مصر ليلعب واحد منهما في البطولة الأسياوية أو الأوروبية، وهذا غير ممكن. * * لكن من الضروري أن نتساءل: لماذا لم تبق هذه المقابلة، التي نعترف أنها مصيرية حقيقة بالنسبة للفريقين، في حدود المنافسة الرياضية النظيفة؟ وأساسا، لماذا تسيل دماء أعضاء الفرقة الرياضية الجزائرية في القاهرة دقائق فقط من وصولها إلى هناك في مشهد مشين ما كان ينبغي أن يقع في بلد شقيق؟ * واضح أن الذين كانوا وراء العملية يحتكمون لمنطق "الغاية تبرر الوسيلة"، كل شيء مباح بما في ذلك إخضاع الخصم لأقصى درجات الرعب واستغلال ذلك لحسم التأهل قبل ال 90 دقيقة الفاصلة.. * لكن ما يثير الضحك بعد قضية الاعتداء على الفريق الجزائري هو السيناريو الذي نسجه المصريون لتبرير ما حصل. كان يكفيهم القول مثلا أن منفذي الاعتداء "هم مجموعة قليلة من الشباب الطائش وهؤلاء لا يمثلون الجمهور المصري، وأن الأجهزة الأمنية ستتخد التدابير اللازمة"، وربما يمكن للبعض أن يتفهم ذلك، لكن الأشقاء في قاهرة المعز نسجوا سيناريو لا يقدر على حبكه سوى محترفي إنتاج سيناريهات أفلام الخيال.. * في هذا الشأن، أثار انتباهي ما كتبته الأهرام المصرية، التي يقال أنها إحدى أهم أقطاب الإعلام العربي. الجريدة وفي مقال طويل ضمنه تصريحات مصادر من النيابة ومسؤولين كبار في أجهزة الأمن نسبت حادثة الإعتداء على الفريق الجزائري إلى هذا الأخير، بهذه البساطة. بالنسبة للصحيفة العربية "الكبيرة" فإن الجزائريين هم الذين افتعلوا الحادثة وأخطروا الفيفا بعد ذلك. وأن أعضاء البعثة الجزائرية "أخذوا الأحجار معهم من الفندق وكسروا زجاج نوافذ الحافلة" وأكثر من ذلك "قام أحد اللاعبين بإحداث إصابات طفيفة في الرأس والوجه لثلاثة لاعبين آخرين من زملائه"!؟ كيف يمكن لعاقل أن يصدق أن الدماء التي سالت من رأس اللاعب لموشية والجروح التي أصيب بها زملائه هي من نسج البعثة الجزائرية، التي أخذ أفرادها السكاكين وشرعوا يجرحون رؤس بعضهم البعض كالمجانين!؟ أنها قمة الاستخفاف بالعقول وبذكاء الآخرين في حادثة كان يمكن قول الحقيقة حولها وكفى.. * السيناريو الذي نسج على صفحات الأهرام حول مقابلة كروية يجعلنا نتساءل إن كان الأشقاء في مصر يتعاملون بسيناريوهات مماثلة في قضايا أخرى مصيرية كالصراعات السياسية الداخلية والإقليمية؟ * لكن لا أضيف شيئا إذا قلت أن الذي حصل في القاهرة للفريق الجزائري قبل المبارة هو نتيجة طبيعية للتطرف الذي أظهره الإعلام المصري لفترة طويلة، ثم انساقت وراءه بعض وسائل الإعلام الجزائرية، والذي تسكت عنه أو تسانده الأجهزة السياسية الرسمية التي ترى تأهل منتخب مصر لمونديال جنوب إفريقيا 2010 هو جرعة أوكسوجين لنظام سياسي يعاني الإختناق. وكما كتب الزميل عابد شارق أن جمال مبارك بلعب مبارة تأهله "توريثه للسلطة في مصر مستلما أياها من يد أبيه"، وفي حالة عدم تأهل الفراعنة فهذا يعني أن المصريين "سيجدون أنفسهم أمام حقيقة مرة؛ صعوبة الحياة المعيشية، الإضطرابات الإجتماعية، أزمة سياسية وقضية توريث جمال مبارك". إنها أيضا تشكل أهمية سياسية بالنسبة للسلطة في الجزائر بالنظر للوضع السياسي والإجتماعي الذي لا يختلف كثيرا عما نراه في مصر.. لكن الجميع يلاحظ أنه عندما تساق الرياضة لخدمة أجندات سياسية معينة تموت الروح الرياضية ونكهة الفرجة والتنافس ليحل محلها الضغط الشديد واللغط والتعصب الذي لا ينفع أحدا. * كلنا نأمل في تلقي أخبار مفرحة يوم الأربعاء من الخرطوم، وكلنا يشجع ويقدر المجهود الرائع لهؤلاء النجوم الذين تقمصوا الألوان الوطنية في ظروف صعبة، وأكيد أن المصريين يتطلعون ليروا تشكيلتهم تحقق أحلامهم.. لكن بعد مقابلة الأربعاء، وحتى بعد نهاية مونديال جنوب إفريقيا، سيستفيق الجزائريون والمصريون من أحلامهم على وقع أوضاع سياسية واجتماعية معقدة يصعب في ظلها تطوير الرياضة وإسعاد الجماهير. فلا يمكن تجاوز هذه الأوضاع عن طريق تغذية العنف وشحن الجماهير وحبك السيناريهات الشيطانية.. بل ينبغي حل المشكلة الأم وهي التخلف. فلولا التخلف الذي ساد الديار لما جعلت مقابلة رياضية بين فريقين، يقال مرارا وتكرارا أنهم شقيقين، وكأنها حرب داحس والغبراء.