اختتمت، أول أمس الثلاثاء، بالعاصمة الأثيوبية أديس أبابا، أشغال الدورة العادية الرابعة عشرة للاتحاد الافريقي بحضور 53 قائدا أو ممثل دولة. * وكان شعار الدورة، التي استغرقت ثلاثة أيام: تطوير تكنولوجيا الإعلام والاتصال في إفريقيا من أجل التنمية المستدامة، وهو الموضوع الذي طغى على أشغال هذا التجمع الإفريقي الكبير بين موضوعات أخرى تخص السلم والأمن وإدارة الصراعات في المنطقة الإفريقية. * ويبدو من الوهلة الأولى، أن الشأن الإفريقي المتميز بإخفاقات التنمية وتحقيق الرفاه وتراجع مؤشرات النمو المتوازن لا يحتمل نقاشا حول مفردات الثورة الصناعية الثانية أي مفردات "مجتمع المعرفة"، إلا أن إصرار مفوضية الاتحاد الإفريقي على إدراج هذا الموضوع ضمن أجندة عمل استراتيجية لإفريقيا للسنوات القادمة يعني أن الأفارقة باتوا أكثر قربا من مشاكل شعوبهم الحقيقية. فهل هي يقظة الرجل المريض؟ أم أن الأمر لا يتعدى نطاق الخطابات. * * إفريقيا التي صنعها غير الأفارقة * تمثل إفريقيا مساحة سكانية لا تبتعد كثيرا عن نظيرتها في الدول الصناعية الكبرى ومع ذلك لا يمكن المقارنة بين استخدام التكنولوجيا الرقمية بين الجانبين. وفي حين ترتبط شعوب الدول المتقدمة بالإنترنت بنسبة تصل إلى 91 بالمائة، لا تتعدى النسبة في إفريقيا 2.5 بالمائة، ما يعني أن فجوة رقمية هائلة لاتزال تحول دون أن يستفيد الأفارقة من فرص التقدم المتاحة في العالم. ويعني ذلك خسارة أخرى على سلم تبادل المعلومات بالسرعة المطلوبة واكتشاف أسواق التجارة بالنسبة للقطاع الخاص، إضافة الى حرمان ملايين الأفارقة من الخدمات الصحية والتعليمية التي تتم عن بعد. * وبالعودة لتاريخ الوقائع السياسية والاجتماعية في القارة السمراء خلال القرن الماضي، نجد أن جزءا مهما من تلك الوقائع كان من صنع الدول الأجنبية الكبرى وجزءا مهما آخر كان من صنع الشركات الرأسمالية التابعة لتلك الدول وحديثا فقط، أي منذ عشر سنوات ليس أكثر، بدأ الحديث عن لاعبين كبار جدد دخلوا الساحة الإفريقية من باب الشراكة الاقتصادية تتقدمهم الشركات الصينية. وهكذا ظلت إفريقيا ساحة خصبة للصراعات اللغوية في الجانب الثقافي وساحة أخرى للنزاع القائم على الموالاة للمستعمر في الجانب السياسي وساحة ثالثة للحروب حول الثروة في الجانب الاقتصادي. ويمكننا تلمس ذلك بوضوح من خلال نماذج محددة مثل الحرب العرقية على أساس اللغة بين القبائل في إفريقيا الوسطى والنزاع الذي ساد جنوب إفريقيا بين المؤتمر الوطني الإفريقي والحكومة الموالية لبريطانيا وأخيرا ما يجري حاليا في نيجيريا من صراع حول أنابيب النفط. إضافة الى بؤر الصراع في القرن الإفريقي وفي مدغشقر والصومال وجنوب السودان وكينيا وفي منطقة الصحراء المتنازع عليها غرب شمال إفريقيا. وجميعها صراعات ظل فيها المستعمر الغربي محددا رئيسا حتى بعد استقلال الشعوب الإفريقية بدءا من منتصف القرن الماضي. * * 264 قرار إفريقي ينتظر التنفيذ * يبدو أن القادة الأفارقة باتوا أكثر وعيا بضرورة أن يقود الأفارقة أنفسهم بأنفسهم، فكان أن اجتمعوا على تطوير عمل منظمة الوحدة الافريقية الى "اتحاد" العام 2002 ثم استحدثوا آلية أخرى للشراكة هي "النيباد" العام 2005 ولكنهم لم يتمكنوا حتى الساعة من إطلاق مشاريع جادة على نفس وتيرة الخطاب السياسي الذي مكن الى حد ما من تجاوز العديد من الخلافات. وهكذا وعلى الرغم من مرور نصف قرن على إطلاق منظمة الوحدة الإفريقية لم يتوصل الأفارقة الى إنشاء مجموعة اقتصادية أو سوق مشتركة، ولا محكمة إفريقية ولا مجلس إقليمي للأمن ولا برلمان قاري. وحتى ضمن الهيئات الأممية لم يتمكن الأفارقة من افتكاك مقعد في مجلس الأمن الدولي ولايزال تصويتهم في هيئات "بريتون وودز" باهتا وغير مؤثر. * وحتى ضمن الشأن الداخلي هناك 21 معاهدة ذات طابع إفريقي لمّا تجد طريقها للتطبيق و264 قرار متعثر. ونفس الشيء ينطبق على بروتوكول الحكم الراشد الذي لم يصادق عليه من الحكومات الإفريقية ومشروع "مصرف الاستثمار الافريقي" الذي مازال هو الآخر مجرد بروتوكول اتفاق. ناهيك عن المشاريع الجهوية في منطقة المغرب العربي وغرب إفريقيا. * وفي خضم هذه الوقائع، جاءت الدورة الأخيرة للاتحاد الافريقي لتفتح نافذة على مجال يعتبر، من وجهة نظر الأفارقة متقدما أي على تكنولوجيا المعلومات والاتصال مع أن العالم قد تجاوزه الى الثورة الصناعية الثالثة أي الى تكنولوجيا البيئة، ولا أحد يدري إن كان في وسع الدول الافريقية المختلفة جذريا في مؤشرات الاستثمار المعلوماتي والبنى التحتية للاتصالات الانخراط في مسعى مشترك خارج الأهداف الوطنية. فالجزائر التي قطعت شوطا معتبرا في تطوير بنيتها التحتية والبشرية، ربما يناسبها تجسيد فكرة "المدينة المعلوماتية"، وتونس التي تحتل الرتبة 31 على السلم العالمي لمجتمع المعرفة ربما يناسبها الانخراط في الفضاء المتوسطي المعلوماتي "أوميديس"، أما شعوب إفريقية أخرى لاتزال منشغلة بمحو ظاهرة الأمية والمساواة بين الجنسين عند التعليم، وتأمين المساعدات الخارجية لسد الفجوة الغذائية المتسعة يوميا، فلا مجال فيها للحديث عن سد للفجوة الرقمية البتة. * ربما تكون الأولوية أمام الأفارقة اليوم تعزيز الديمقراطية بينهم، تحسين ترتيبهم على سلم الحكم الصالح، تطوير مناهج التعليم، أو على الأقل تنفيذ القرارات المتفق عليها في القمم السابقة، أما مجال تكنولوجيا المعلومات فيكفي فيها احتضان المهارات الإفريقية المتشتتة بين مخابر وشركات ومؤسسات الدول الصناعية الكبرى.